يستغل بعض الشباب في «تويتر» و«واتساب» غياب الرقابة، فيقولون كل ما يخطر على بالهم، إما مزاحاً لجلب المتعة، أو نقداًَ ورغبة في تصحيح وضع غير مريح. لهذا ستجد في يومنا الوطني من يقول رأيه، فهو واقع بين شدّ وجذب هذا المفهوم، مثله مثل متشددين يعتبرون أن الاحتفال باليوم الوطني محض شرك وفساد عقيدة. بعض شباب «تويتر» و«واتساب» أشاروا الى افتقادهم مفهوم حب الوطن، وهم يقولون على سبيل النكتة «إنه في اليوم الوطني تقفل الشوارع ويكثف رجال الهيئة والشرطة جهودهم، وتتضاعف أعدادهم، ويفر الناس إلى العواصم الخليجية»، ثم يتساءلون: «هل هذا يوم وطني أم حرب أهلية»؟ أما السؤال الثاني الذي تركه أحدهم في هاشتاق بعنوان: «ماذا تقول لبلدك في عيده الوطني؟ فجاء الرد ساخراً: أنا مسافر.. توصي شي»؟ هذه النكات تنتقد ضعف الجهود التي تهتم باليوم الوطني، وتشتكي من غياب نشاطات الفرح والتسلية والمتعة البريئة التي تسهم في تعزيز مفهوم الوطن في وجدان المواطن، لكن وجهة النظر هذه ليست هي نفسها عند طرف آخر لا يتوانى عند اقتراب اليوم الوطني من نشر فتوى تحرم هذه الاحتفالات، فتنتشر في مدارس التربية والتعليم وعبر منابر المساجد ومن خلال القنوات الفضائية ذات الصبغة الإسلامية. قريبي عاد من صلاة يوم الجمعة الفائتة وعلى وجهه علامات التعجب، وقال إن خطيب الجمعة ندد بمظاهر الاحتفاء باليوم الوطني، وبجعله يوم إجازة، واعتبر ذلك بدعة ومن عادات الجاهلية، وأنه ليس للمسلم غير عيدين. إلغاء إجازة واحتفالات اليوم الوطني ليست وحدها مظاهر مرفوضة، بل وأيضاً النشيد الوطني بدعة، فوزير التربية والتعليم السابق كتب في مذكراته أنه دخل حفلة للوزارة بحضور مربين ومعلمين، وعندما عزف النشيد الوطني لم يقف له عدد من المدرسين، وكانوا يضعون أعينهم في عينيه مباشرة وبجسارة. وجهة النظر الفقهية هذه لا تسمعها في الدول الإسلامية ال56 التي تحتفل بأعيادها الوطنية في سلام، ولطالما فتحت قناة أو صحيفة - لن أقول في مصر ولا في الشام ولا في المغرب بل في الخليج - لأجد شيوخ الدين ووعاظهم في اليوم الوطني يدعون للتآزر الوطني والوحدة، ويزيلون ما اشتبه في وجدان البعض من أن هذه الأعياد الوطنية حرام، فيقولون إنها ليست أعياداً تعبدية، بل تسمى عيداً من «العَودة»، فيه يتذكر الناس حق الوطن عليهم، والتذكير بنعمة أمنهم واجتماعهم فيه، وكذلك عيد الأم وعيد الشجرة أيام ثقافية توعوية، مما يعود على الناس بالفائدة، وأن الدين يشجع على تعزيز مظاهر الوحدة والتآزر في هذا اليوم، وأن البدعة هي ما جاء في العبادات لا في العادات، بينما عندنا لو وجدت شيخاً يقول «بأن احتفالات اليوم الوطني ليس فيها ما يثير الريبة أو الحرمة»، فلن يلبث إلا أن يتراجع بعد أيام لينقلب على قوله، معتذراً بأنه لم يقل ذلك، وأن كلامه فهم خطأ على رغم أن كلامه «المسجل» كان واضحاً وصريحاً، عكْسَ موقفه. اشتهرَ الخطاب الإسلامي للجماعات الإسلامية السياسية بأن الوطن ليس مفهوماً أساسياً، بل الأساسي في فهمهم هو ما يجعل منهم أصحاب سلطة وقوى ونفوذ، فلا أحد يستطيع أن ينسى أشهر زلة لسان لمهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الإخوان في مصر حين قال: «طز في مصر»! وحين أراد تبرير خطأه، قال إن كلامه جاء في سياق أنه يرحب بأن يحكم مصر مسلم ماليزي على أن يحكمها علماني مصري، وهذه وحدة الدول الإسلامية على غرار وحدة الاتحاد الأوروبي؟ بربكم هل سمعتم أنهم في ألمانيا يرحبون أو يطالبون بأن يحكمهم بريطاني كمظهر من مظاهر الوحدة الأوروبية؟ نحن أيضاً في عقود الصحوة وغلوها حوصرنا بخطاب يؤكد على أن ما يجمع المسلم السعودي مع مسلمي باكستان وأفغانستان أقوى مما يجمعهم مع مواطنيهم أو جيرانهم العرب لأنهم من دون لحى، على رغم أن مواطنيهم هم الشركاء الفعليون معهم في الدين والوطن والمصير، إلا أن المشروع الآيديولوجي يجعل من الوطن مفهوماً عابراً للقارات والبحار، وولاؤه لأعضاء الشبكة العالمية لا لشبكة الأرض التي تضمنا وأهلنا وبيتنا ومعاشنا ومصالحنا جميعاً. إن هؤلاء مثل من يركب معك قارباً واحداً لكنه يعتبر أن خرقه لمصلحة جماعة بعيدة من أفعال التقوى! [email protected]