أصدر زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري رسالة في عنوان «توجيهات عامة للعمل الجهادي»، أعطت لمحة نادرة عن استراتيجية التنظيم بعد 12 سنة من اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وكشفت طبيعة طموحاته العالمية، من شمال أفريقيا إلى القوقاز وكشمير. وعكست الرسالة تغيراً في أسلوب التنظيم، ونمط تفكير الظواهري الذي كان يدعو إلى الاشتباك مع العدو القريب (الأنظمة المحلية في الدول الإسلامية) وترك العدو البعيد (الولاياتالمتحدة)، بخلاف ما كان يراه الزعيم السابق للتنظيم أسامة بن لادن حول ضرورة مواجهة العدو الأبعد ومحاولة تجنب الصدام مع العدو الأقرب. واعتبرت التوجيهات التي رصدها مركز «سايت» الأميركي لمراقبة المواقع الإسلامية على الإنترنت، أوضح بيانات «القاعدة» في شأن مواقفها المستجدة من أنظمة الحكم والحركات الإسلامية والأقليات غير المسلمة في المجتمعات الإسلامية. ويمكن إذا اتُبعت أن تغيّر الصورة المرتبطة بأعمال بعض شبكات التنظيم خصوصاً في العراق وبلاد الشام، وبنظرة الإعلام الغربي إلى التنظيم خلال العقدين الأخيرين. وركزت التوجيهات على ضرورة إبقاء الصراع مشتعلاً مع الولاياتالمتحدة، وإنهاكها أمنياً واستنزافها اقتصادياً، في مقابل تجنب «ما أمكن» الصراع المسلح مع أنظمة الدول العربية وحكامها «حتى تبلغ هيمنة واشنطن مرحلة التراجع والانزواء». وقال: «معركتنا طويلة، واستهداف عملاء الولاياتالمتحدة المحليين يختلف من مكان إلى آخر»، معدداً المناطق التي يعتبر أن الصراع حتمي فيها، وبينها أفغانستان والعراق وسورية واليمن والصومال. وزاد الظواهري: «في باكستان (حيث يختبئ على الأرجح)، الصراع مكمل لتحرير أفغانستان من الأميركيين، ثم إنشاء منطقة آمنة للمجاهدين في باكستان، والسعي إلى إنشاء نظام إسلامي في باكستان انطلاقاً من هذه المنطقة». وأشار إلى ضرورة إضعاف الجزائر التي سحقت المتشددين الإسلاميين خلال الحرب الأهلية في التسعينات من القرن العشرين، ونشر نفوذ «الجهاديين» في أنحاء المغرب العربي وغرب أفريقيا. وأوصى الظواهري أتباع «القاعدة» بعدم قتال الطوائف المسلمة الأخرى، مثل الشيعة والإسماعيلية والقاديانية والصوفية، «إذا لم تعتدِ على أهل السنّة»، وحصر العمليات المسلحة بمقاتلي هذه الطوائف وليس استهداف كل أفرادها. وفي أول رد واضح ل «القاعدة» على اتهام عناصرها بقتل أتباع أقليات غير مسلمة في بلدان إسلامية، طالب الظواهري بعدم التعرض للنصارى والسيخ والهندوس في هذه البلدان، والاكتفاء بالرد على عدوانهم فقط مع تجنب قتال من لم يرفع السلاح. وشددت التوجيهات على عدم استهداف الأعداء في مساجد وأسواق وتجمعات يختلطون فيها بمسلمين أو بمن لا يقاتل «القاعدة». كما أظهرت ميلاً إلى التهدئة مع رجال دين معارضين للتنظيم، عبر الدعوة إلى احترامهم ومواجهة السيئين منهم فقط. وكشفت التوجيهات أيضاً موقفاً جديداً من باقي الحركات الإسلامية، إذ دعا إلى «التعاون في ما اتفق الجميع عليه، والنصح في باقي الأمور، ومنح أولوية للمواجهة مع التيارات غير الإسلامية». وأيّد الظواهري ثورات «الربيع العربي»، ودعا إلى المشاركة فيها وتوجيهها نحو المطالبة بحكم الشريعة ونصرة المظلومين، مسلمين أو غير مسلمين. كما دعا إلى تعويض كل خطأ مخالف للشريعة ارتكبته «القاعدة» أو أنصارها.