توسع الجدل اللبناني الداخلي حول «إعلان بعبدا» الذي يقول بتحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية واعتماد سياسة النأي بالنفس، وذلك بعد البيان الرئاسي الذي يؤكد وقائع إقراره في اجتماع «هيئة الحوار الوطني» في حزيران (يونيو) 2012. فردت «هيئة تنسيق الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية» التي تضم الأحزاب الحليفة ل «حزب الله» وسورية، عليه معتبرة ان اعلان بعبدا «لا يعدو كونه إصداراً حول تفاهمات وطنية عامة تعطي للبنان قيمة وطنية معنوية لم يتطرق المتحاورون الى بلورتها على النحو الذي يمكن اعتمادها كبيان وزاري لأي حكومة». إلا ان الرئيس سليمان أعاد التمسك بإعلان بعبدا أمس في سياق استقباله وفد كتلة «التنمية والتحرير» النيابية التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، والذي يجول على القيادات الرسمية والسياسية لشرح مبادرة بري حول العودة الى طاولة الحوار لبحث 6 نقاط، أولها الاتفاق على شكل الحكومة وبيانها، فرحب «بكل مبادرة تهدف الى الحوار والتلاقي» وشدد على «ضرورة النظر في آليات تنفيذ القرارات السابقة لطاولة الحوار، كإعلان بعبدا». وأكد وفد كتلة بري أن توضيحه لمضمون إعلان بعبدا أول من أمس «جيد ونحن نلتزم هذا الإعلان». وفيما زار سليمان أمس رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في بلدة المختارة لتعزيته بوفاة والدته، قالت مصادر سياسية معنية بمعالجة العراقيل أمام تشكيل الحكومة الجديدة، إن «حزب الله» وحلفاءه يعارضون مبدأ تكريس إعلان بعبدا كوثيقة تَوافُق بين اللبنانيين لرفضهم اعتمادها أساساً للبيان الوزاري للحكومة الجديدة بديلاً من ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» أسوة ببيانات الحكومات السابقة، التي يعتقد الحزب انها تبقي على شرعية سلاحه، وهو الأمر الذي تعارضه «قوى 14 آذار» وكذلك الرئيس المكلف تمام سلام. وفيما اعتبرت هيئة تنسيق الأحزاب أن مقال رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي دعا فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما الى «تحمل المسؤولية في سورية في قيادة مسار جديد عبر دعم الاعتدال»، بأنه «يتجاوز مندرجات إعلان بعبدا»، تلقى موقف سليمان دعماً أمس من جهات عدة، فأصدر زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بياناً أكد أن «اعلان بعبدا هو خارطة الطريق الجدية والمسؤولة الى الحوار والاستقرار وتهدئة الأحوال»، وأن موقفه هذا هو «من باب الإقرار بحقيقة تاريخية هناك مع الأسف من يريد محوها من الذاكرة ومن المحاضر الرسمية». وكان وفد كتلة بري النيابية التقى الى سليمان، رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وسلام، وأجرى عضو الوفد ياسين جابر اتصالاً مع الرئيس الحريري الموجود في الخارج. وبينما اعتبر ميقاتي أن الرئيس بري هو «من أكثر الحريصين على المؤسسات الدستورية وتعاونها ودور كل منها، ونحن سنلاقيه في مسعاه الحواري لإنجاحه»، أبلغ النائب جابر الحريري أن لدى بري رغبة في الوقوف على رأيه من مبادرته الحوارية. وعلمت «الحياة» ان الحريري أكد لجابر أن «هناك نقاطاً ايجابية في المبادرة، وأخرى لدينا عليها ملاحظات، ونحن من جانبنا نقدّر للرئيس بري سعيه الدؤوب من أجل مصلحة البلد ومحاولته البحث عن مخارج للأزمة وهو معروف عنه حرصه على المؤسسات الدستورية ودفاعه عن دور السلطة التشريعية، ولا أخاله يفرّط بصلاحيات السلطة التنفيذية التي لا بد من الحفاظ عليها كما يحافظ على المجلس النيابي، وكما قلت إن اعلان بعبدا هو الإطار الصالح لاستئناف الحوار». كما أكد الحريري لجابر أنه لا بد من التواصل مع السنيورة، الذي «يشرح بالتفصيل موقفنا من المبادرة». وقال مصدر في كتلة بري ل «الحياة» إن وفدها أبلغ الرئيس سليمان أن تفسيره حول اعلان بعبدا (بأنه لم يتضمن أي نص يتعلق بالمقاومة وسلاحها) «جيد ووضع حداً للّغط حوله، ونحن لسنا بعيدين عنه بل نحن في صلبه». وأوضح المصدر أن الوفد شرح للرؤساء سليمان وميقاتي وسلام أن مبادرته «لا تحمل أي نية للافتئات على صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة في تأليف الحكومة، لكن الصراحة تقتضي القول إن هناك عراقيل في عملية التأليف وإنه لا بد من أن نتعاون في معالجتها لإزالتها من أجل أن تتشكل في أسرع وقت والرئيس بري ليس في وارد الحلول مكان سليمان وسلام في التأليف». وأضاف المصدر: «أكدنا لرئيس الجمهورية وللرئيس سلام أن مبادرة بري صرخة لنتعاون على الخروج من المأزق الحكومي، من دون أن ندخل في بحث تأليف الحكومة التي ينص الدستور على كيفية تأليفها وفق صلاحيات نحترمها. لكن مهمتنا أيضاً لا تقتصر على الاستماع بل على التفاعل مع من نلتقيهم وتبادل الأفكار حول كيفية مساعدة الرئيس المكلف وتسهيل مهمته». ورداً على الملاحظات التي صدرت حول مبادرة بري بأنها لا تتناول اعلان بعبدا، قال المصدر: «أوضحنا ان المبادرة تتضمن نقاطاً واردة في إعلان بعبدا».