لعلّ مراهنة النظام السوري على تخويف الغرب من أنّ أيّ حرب محتملة على سورية ستكون في مصلحة «جبهة النصرة» وأخواتها تكشف في المستوى الأعمق عن تلك الصعوبات التي يعانيها الإسلام كدين ينطوي على طاقة أخلاقية وإنسانية، فيما تكاد تختزله حركات الإسلام السياسي في الصراع على الوصول إلى الحكم والسعي لاستلام السلطة وتطبيق أيديولوجيا سياسية متشددة تَضمُر فيها البذور الأخلاقية والمعاني الإنسانية والرقي الحضاري. وإذ يبحث الغرب، وفي مقدمه الولاياتالمتحدة، عن مسوّغات أخلاقية مقنعة للمجتمعات الغربية تبرر القيام بتنفيذ ضربة عسكرية إلى نظام استخدم أسلحة كيماوية ضد أبناء شعبه، لا نكاد نحقق النجاح الناصع والمطلوب في إقناع هذا الغرب أو المجتمع الدولي بالكفّ عن تردده وارتباكه من خلال إقناعه بأنّ إحداث التغيير في سورية مصلحة غربية ودولية. هنا، نفتقر إلى الاتساق الأخلاقي، أي عدم الوقوع في فخّ المعايير المتناقضة والسلوك الأخلاقي المزدوج، وهو ما قد يعبّر عن صورة منه الشيخ يوسف القرضاوي الذي أفتى بأن «أميركا والدول العظمى ليست سوى أدوات يسخرها الله لخدمة مصالحنا وتحقيق أهدافنا»! فيما نُقل عن القيادي في التيار السلفي الجهادي في الأردن محمد الشلبي الملقب أبو سياف قوله: «نحن مع زوال نظام الأسد بأي طريقة كانت، لأنه نظام كافر. نحن مع ضرب الغرب النظامَ السوري لكن بشرط أن لا يكون للغرب أية أهداف أخرى سواء اقتصادية أو اجتماعية أو عقائدية». واستدرك أبو سياف: «نحن على يقين أن هناك أهدافاً أخرى للغرب أهمها عدم تمكين «دولة العراق والشام الإسلامية» من الوجود والسيطرة على سورية». إننا نخسر في اختبار الأخلاق، والاتساق الذاتي شرط أساسي فيها، حين نسمع من السياسي المصري حمدين صباحي (على عهدة قناة «الميادين» الفضائية التي نقلت عنه) قوله إن مجلس العموم البريطاني، الذي عارض توجيه ضربة إلى سورية، أكثر عروبة من الجامعة العربية! سؤال الأخلاق سؤال فكريّ قديم في الثقافة العربية والإسلامية، وعلى رغم اشتغال باحثين وعلماء مثل مسكويه وأبي حيان التوحيدي والمعتزلة و «إخوان الصفا» وغيرهم بهذا السؤال، فإن غلبة الفقهي على الفلسفي في الحضارة الإسلامية، والشريعة على الأخلاق والضمير الإنساني المستقل، والتدين على الدين، لم تسعف في انبثاق علم أخلاق إسلامي، يتسم، كما يقول ياسين الحاج صالح، بالانضباط والاتساق الذاتي وقابلية التعميم، وهو ما يعني التمايز بين دائرتي الدين والأخلاق والاعتراف بوجود أخلاق خارج دائرة الدين، وأنّ أي أخلاقية دينية ستبدو مثقوبة إن لم تكن تقوم على الاختيار العقلاني والإرادة الإنسانية الحرة والنظرة المتساوية للإنسان أي إنسان، والتزام الأخلاق الكلية لذاتها، وفق الفيلسوف إيمانويل كانط. في «اغتيال العقل» ربط برهان غليون بين الرقي الأخلاقي والرقي الحضاري والعلمي والمعرفي، وهي معادلة تكشف عن جانب أساسي في الخلل البنيوي في الواقع العربي، ما قد يسمح بالقول إن الإصلاح الأخلاقي، قد يكون مجالاً مفتاحياً للإصلاح الديني المرتجى، ويكون سنداً نحو إقلاع حضاري عفيّ. إن تلهف القرضاوي وأبو سياف وصباحي، وغيرهم كثيرون، على أن يكون الغرب متّسقاً مع ذاته ومنسجماً مع أخلاقيته، فيما نحن نفصّل أخلاقيتنا على هوانا، لا سيما حين نتهم دائماً هذا الغرب بالمؤامرة الأبدية علينا وبالتحلل الأخلاقي، إنما يكشف انفصاما فكرياً، لا شفاء منه إلا بإصلاح الأخلاق لدينا، ونزعم أنّ التعافي من مرضنا بالغرب، قد يمنح إصلاحنا جُرعة لا غنى عنها في رحلة الشفاء. * كاتب أردني