عندما تقوم فتاتان صغيرتان في سنّ (16 - 17) عاماً بمحاولة الانتحار والقفز من أعلى مبنى جمعية الملك خالد النسائية في تبوك، وهما من نزيلات دار الحماية الاجتماعية في المدينة نفسها، كما أوردت الخبر «الحياة» الأسبوع الماضي، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي الخبر، فلا بد أن هناك من الأمور والمشكلات ما هو فوق طاقتهما، والخبر لم يذكر لنا الأسباب، وحتى الأحاديث التي دارت في مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً لم تذكر ما الأسباب؟ إلا أن المتحدث الإعلامي لفرع وزارة الشؤون الاجتماعية في تبوك، قال ل«الحياة»: إن الحادثة محاولة للهروب من أسباب شخصية، إذ إن الفتاتين تقيمان في دار الحماية منذ أسبوعين على خلفية قضيتين منفصلتين للهروب من ذويهما. ما الدافع إلى هروب الفتاتين من منزليهما؟ إن لم يكن هنالك مظاهر عنف أو إيذاء فمن المستحيل أن يهرب الإنسان من مكان يجد فيه الرعاية والمحبة والاهتمام! إن هروب الفتاتين من منزلهما بالتأكيد له أسباب خارجة عن إرادتهما، وهما في هذه السنّ الصغيرة الخطرة التي تجعلهما في موطن الضعف والعجز عن تنفيذ أي تمرد على الأسرة، ما لم يكن هنالك من الأسباب الدافعة إلى هذا السلوك الذي أصبح مألوفاً خلف كل انتهاك لحقوقهما كفتاتين مراهقتين، هما بحاجة إلى من يستمع لهما باهتمام بالغ، فهما في مرحلة تحول من الطفولة المتأخرة إلى مرحلة المراهقة، وهذه السنّ التي يحتاج فيها الإنسان من الجنسين إلى المراعاة، والرفق مع الحزم اللطيف غير المؤذي للمشاعر والعواطف التي تكون في هذه المرحلة في شدة اشتعالهما، ويخضع فيها الإنسان إلى نزعة التمرد والاعتداد بالنفس، ويعتبر التقريع واللوم، وما شابهه بمثابة إهانة موجهة إلى شخصه وذاته المتوثبة برد فعل يشوبها الانفعال وعدم التفكير والتروي، شعارها الدفاع عن المبادئ والقيم التي يؤمن بها المراهق من باب أنه أصبح رجلاً أو أصبحت امرأة، إضافة إلى عوامل نفسية أخرى، يرى فيها المراهق أنه يعاني الاضطهاد، ويعتبر الخطأ في سلوكه حميداً ومقدساً، وهذا أيضاً من مخرجات التربية التي تلقاها من الأسرة نفسها سلباً أم إيجاباً. إلا أن أعراض المراهقة وصخبها لا يجر إلى الهروب والانتحار، وبما أن الفتاتين في دار للحماية الاجتماعية، فمن المفترض أن تكون هذه الدار هي البديل عن كل مسببات الحرمان الأسري والعاطفي والتفهم لحالهما التي ربما تكون بسيطة، وربما تهدأ الفتاتان وتعيدان النظر في أخطائهما إن كانتا مخطئتين بالفعل، فالمراهق يرى في التراجع عن أخطائه ذلة وعاراً، ولا يتنازل عنها إلا بعد طول صبر، إذا وجد من يذلل له الصعاب أو من يثق هو به، خصوصاً الأصدقاء الذين يرى أنه ينتمي إليهم أكثر من انتمائه إلى الأسرة، ومن هنا تكون الاستعانة بهم في حال التمرد والإصرار على الخطأ حتمية، ومن المهم أن يكون هؤلاء الأصدقاء من أفراد الأسرة غير المقيمين فيها. إن دور الحماية هي دور إنسانية بالدرجة الأولى، ومن أهم شروطها أن تكون المسؤولية فيها على أعلى درجة من الأمانة وتقدير الحالات التي اضطرتها ظروفها إلى اللجوء لها، بمعنى أن تكون مهيأة بالمؤهلين للتعامل مع هذه الحالات نفسياً وتربوياً وطبياً مع توفير الأجواء السليمة لمثل هذه الحالات أيضاً، فهي ترى نفسها أنها منبوذة من الأسرة، وتنظر إلى المجتمع بنظرة «سوداوية» و«متوجسة». وعلى الشرطة عندما تنظر في حالهما إيقاع العقاب الرادع على الأسرتين اللتين أوصلتا حال الفتاتين إلى هذا المنزلق الخطر في السلوك الذي هو نتاج التربية السيئة أولاً وأخيراً. [email protected] zainabghasib@