طفا على السطح مؤخراً جدل كبير حول جدية موقف الإدارة الأميركية الحالية من قضية الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية؛ لكن ثمة حقائق تشير إلى تناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي على خلفية استئثار المستوطنات والمستوطنين الإسرائيليين بحصة الأسد من الاهتمام. ونشرت وسائل الإعلام في إسرائيل مؤخراً حقائق ومعطيات منتقاة من الكتاب الإحصائي السنوي الذي يصدر عن جهاز الإحصاء الإسرائيلي، ورأت تلك الوسائل هوة كبيرة صدمت المجتمع الإسرائيلي بسبب الفجوة بين الإسرائيليين داخل الخط الأخضر، وبين المستوطنات القائمة على أراضي الضفة الغربية. وتشير بعض استطلاعات الرأي في إسرائيل الى ان معظم سكانها اليهود (92.3 (في المئة)، راضون عن حياتهم. لكن في مقابل ذلك أظهرت النتائج أن مستوى المعيشة في المستوطنات أعلى بكثير من مستوى المعيشة المتوسط في إسرائيل، وجودة الحياة هناك أعلى بكثير من المتوسط الإسرائيلي. وفي هذا السياق تشير المعطيات التي تتحدث عن نفسها الى ان مستوى دخل العائلة في المستوطنات أعلى من المتوسط بنحو 10 في المئة. وبحسب نتائج الاستطلاع الاجتماعي لمكتب الإحصاء المركزي يتبين أن الوضع الصحي لنحو 91 في المئة من المستوطنين في الضفة الغربية جيد ويصل إلى مستوى جيد جداً مقابل المتوسط في اسرائيل الذي لم يتعد 73 في المئة. ومن المؤشرات الأخرى أن معدل المشاركة في قوة العمل المدنية هو أعلى في المستوطنات حيث بلغ 62 في المئة؛ في حين لم تتعد النسبة 56 في المائة بالمتوسط على مستوى المجتمع الإسرائيلي، أما معدل البطالة في المستوطنات فهو أدنى تقريباً بنحو واحد في المئة مقارنة مع متوسط معدل البطالة في إسرائيل الذي وصل إلى نحو ثمانية في المئة خلال العام المنصرم. وبالنسبة الى الاستثمار الاقتصادي في مجال التعليم أشارت المعطيات الى ان معدلات النجاح في امتحانات الثانوية العامة كانت أعلى نسبياً في المستوطنات، حيث وصل المعدل الى 71.2 في المئة من إجمالي المتقدمين للامتحانات في المستوطنات، مقارنة بنحو 65.8 في المئة على مستوى المجتمع الإسرائيلي في شكل عام، واللافت أن المستوطنات كانت أكثر جاذبية لليهود ففي حين استقطبت المستوطنات 4700 مستوطن خلال العام المنصرم 2008 تم تسجيل هجرة معاكسة من غالبية المدن والتجمعات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر خلال السنة الماضية. ومن الأهمية بمكان الإشارة الى الجانب الديموغرافي أيضاً؛ حيث يتسارع مجموع المستوطنين في شكل ملحوظ كسبب مباشر لمعدل الولادات المرتفع العالي في المستوطنات والذي يصل الى ضعف المعدل بين سكان إسرائيل. وبالاعتماد على الحقائق السابقة يشير بعض الباحثين في إسرائيل الى مدى النجاح الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي في مستوطنات الضفة الغربية. وبينما تقوم الحكومات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر بتقليص الخدمات الاجتماعية، كالتعليم والصحة والسكن، وتتنكر لمسؤوليتها تجاه المواطنين، ترتفع مؤشرات التطور والنمو الاقتصادي والاجتماعي في المستوطنات. وتشير مصادر مختلفة في إسرائيل إلى أن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 وفرت للمستوطنين بنى تحتية متطورة، وتنقلاً آمناً إلى المدارس والنوادي، وحراسة رسمية وعسكرية، ولهذا يرى بعض المحللين في اسرائيل ان التطورات النوعية في المستوطنات كانت من دون شك على حساب الطبقة الوسطى في اسرائيل. ويمكن القول أيضاً ان ثمة سياسات للدعم اتبعتها الحكومات الإسرائيلية للمستوطنين؛ منها تأمين أعمال مهمة وأساسية في الأجهزة الحكومية المختلفة؛ وفضلاً عن ذلك يحظى المستوطنون بامتيازات ضريبية خاصة للذين يستوطنون حول مدينة القدس. ويبقى القول أن المعطيات السابقة تؤكد اتساع الهوة الاقتصادية بين اليهود المقيمين في المستوطنات واليهود داخل الخط الأخضر؛ وتشير في الوقت ذاته الى مدى دعم التوجهات الإسرائيلية لتنشيط الاستيطان في الضفة الغربية على رغم الحديث المتكرر عن سلام مرتقب مع الفلسطينيين. * كاتب فلسطيني