ظل سول بيلو سجين ذاكرته اليهودية في أعماله جميعها، خصوصاً تلك الروايات التي أنجزها في ستينات القرن الماضي وسبعيناته. في «كوكب السيد ساملر» (1970) يستعيد بيلو حكاية رجل مسن ناج من الهولوكوست، ويتأمل آرثر ساملر، الذي يمثل العالم القديم في مواجهة العالم الجديد، حياة الناس في الجزء العلوي من مدينة نيويورك مشدداً على سقوط الثقافة الغربية وانهيارها وبلوغها هاوية المادية وجنون المال. لكن تأملات ساملر تضعه في قلب الثقافة المسيحية الغربية التي يعشقها، منفصلاً عن ماضيه ومحاولاً التأكيد على مثاليات العقيدة الإنسانية التي شكلت في ما مضى العصب الأساسي للحياة الثقافية في أوروبا الشرقية التي نزح عنها ساملر. في «هدية همبولت» (1975) يرسم بيلو بورتريهاً شخصياً لصديقه وملهمه الشاعر الأميركي السكير ديلمور شوارتز. تعالج هذه الرواية، التي تعد من بين أفضل أعماله، العلاقة بين كاتب شاب مسحور بالفن والفنانين (تشارلي سيترين) وملهمه المجنون فون همبولت فلايشر الذي يرحل باتجاه الشرق للقاء إلهه، ما يجعل الكاتب الشاب ينبهر بالطبيعة الكاريزمية التي يمتلكها الشاعر، ويقيم علاقة صداقة معه. ولا يفترق الكاتب وملهمه إلا بعد نجاح الكاتب الشاب خلال عمله في مسارح برودواي، واتهام همبولت له بسرقة شخصيته في مسرحيته التي يؤلفها الكاتب الشاب (تماماً كما فعل بيلو في اتخاذه علاقته بصديقه ديلمور شوارتز موضوعاً لروايته هذه). وتركز الرواية حبكتها حول تأملات تشارلي لعالم همبولت وقيمته الحقيقية كفنان ومصدر إلهام، وتصور اليأس وجنون الريبة اللذين يقضيان عليه في النهاية. إن همبولت على رغم موته يظل جزءاً من ذاكرة تشارلي الذي يكتشف جنون ملهمه في ما بعد؛ لكن الشاعر الملهم يصبح موضوع المسرحية العبثية التي يكتبها تشارلي وتكاد تتحول إلى فيلم سينمائي ناجح. ومع مرور السنوات يتوصل تشارلي إلى أن همبولت كان عبقرياً إلى حد الجنون قتلته قصائده التي لم يكتبها. وفي لحظة الاكتشاف تلك يستطيع تشارلي أن يتعايش مع ذكرياته مع همبولت، متوصلاً في بحثه أن ملهمه أساء استخدام موهبته، حيث يعيد دفن جسد همبولت في إشارة طقسية إلى عبور تشارلي وتحرره من ذكرى همبولت.