قتل مسلحون 25 مجنداً في صفوف قوات الأمن المركزي في سيناء أمس، في اعتداء هو الأكبر من نوعه منذ عقود. وأوقف المسلحون حافلتين صغيرتين لنقل الركاب كانتا تقلان الجنود إلى معسكرهم على الطريق المؤدية إلى مدينة رفح، وأنزلوا الجنود ووثقوا أياديهم خلف ظهورهم وطرحوهم أرضاً، ليطلقوا عليهم النار من أسلحة آلية. وكانت وزارة الداخلية المصرية أعلنت مقتل 25 من جنود قطاع الأمن المركزي في مدينة العريش في شمال سيناء وجرح اثنين آخرين، في مكمن مسلح تعرضوا له أثناء مرور الحافلتين في منطقة أبو طويلة. وأوضحت الوزارة في بيان أن الحادث «يأتي استمراراً للجرائم الإرهابية التي ترتكبها الجماعات المسلحة في شمال سيناء والنَيل من رجال الشرطة الذين يؤدون واجبهم بكل أمانة وبسالة». وأشارت إلى أنه تم نقل الجثامين والمصابين إلى المستشفى العسكري. وأوضح مسؤول أمني ل «الحياة» أن مسلحين استوقفوا الحافلتين اللتين كانتا تقلان الجنود العائدين إلى المعسكر بعد قضاء إجازة شهرية على الطريق المؤدية إلى مدينة رفح (شمال سيناء) وأنزلوهم من السيارة ونفذوا فيهم الإعدام رمياً بالرصاص. وأشار إلى أن جثامين الجنود «مصابة بالرصاص في مناطق متفرقة من الجسد، ما يعني إطلاق الرصاص عليهم من أسلحة آلية عشوائياً». وأضاف: «وُجد الجنود موثقي الأيدي خلف الظهر». وأقر بأن العملية «كانت تستهدف الجنود، إذ إن قائدي السيارتين فرا وتجري عملية بحث عنهما». وأكدت مصادر طبية أنه تم إطلاق الرصاص على جميع الجنود «عن قرب، ومن أعلى إلى أسفل»، ما يشير إلى أنه تم إنزال الجنود وإجبارهم على الاستلقاء أرضاً على وجوههم ثم أطلقت عناصر مسلحة النار عليهم. وأوضحت ل «الحياة» أن «جميع الإصابات بطلقات نارية لها فتحات دخول وخروج في الرأس والصدر والرقبة.. مع بروز أجزاء من المخ وتناثر بعض أجزاء من أجساد الشهداء». وفي حادث آخر، قتل ضابط برتبة رائد بالرصاص، بعدما استهدفه قناصة مسلحون لدى هبوطه من إحدى مدرعات الشرطة أمام أحد المصارف في ميدان العريش. وأوضح المصدر الأمني أن الضابط أحمد محمد جلال لقي مصرعه بطلق ناري أصابه بالرأس. واستنفرت العملية قوات الجيش والشرطة المنتشرة في مدن شمال سيناء فنشرت المكامن والدوريات المتنقلة في مسعى منها لتوقيف منفذي الهجوم. وأعلن الناطق باسم الجيش توقيف «ثلاثة من العناصر الإرهابية المسلحة المتهمين بالهجوم على مبنى الرقابة الإدارية في مدينة العريش وقتل أحد جنود القوات المسلحة، إذ عثر في حيازتهم على بندقية آلية مزودة بكاتم صوت وتليسكوب للتنشين، وكميات من الذخائر»، وفقاً لبيان رسمي. وزادت العملية من سخط الشارع المصري على جماعة «الإخوان»، إذ رُبط بين العمليات المسلحة في سيناء وتصريحات القيادي البارز في الجماعة محمد البلتاجي الذي كان قال إن الهجمات في سيناء «ستتوقف في اللحظة التي يعود فيها الرئيس (المعزول محمد) مرسي». لكن الجماعة تبرأت من الحادث ورأت أنه «مدبر». وقال الناطق باسم «الإخوان» أحمد عارف إن مقتل الجنود «قد يكون للتغطية» على مقتل 36 متهماً من أنصار الجماعة أثناء ترحيلهم إلى سجن أبو زعبل. وأوضح في بيان: «لا نستبعد أن تكون هذه المقتلة في أبناء الشعب المصري للتغطية على التطور النوعي الخطير والفاضح في استهداف المصريين في سجن أبو زعبل. حسبنا الله ونعم الوكيل في كل هذه الأوجه المقيتة لإرهاب الآمنين وقتل الأبرياء وندعو الشعب المصري إلى إقامة صلاة الغائب على شهداء (أول من) الأمس وصباح» أمس. وبدا أن الجيش سيغير من استراتيجيته أمام تزايد عمليات جماعات جهادية تستوطن سيناء خلال الأيام المقبلة. وكان وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي قال في كلمته أمام قيادات وضباط في الجيش والشرطة أول من أمس إن «الجيش يعتمد على سياسة رد الفعل في تعامله مع العناصر في سيناء»، مشيراً إلى أنه لا يرى سبباً للهجوم على عناصر الجيش والشرطة هناك، «لا سيما أنهم لا يقومون بالاعتداء على أحد وإنما تأمين الأرض، وتعاملنا هناك كان بمنتهى ضبط النفس والصبر، على كل تصرف، في إطار رد الفعل وليس الفعل حتى لا يسقط ضحايا ولا يخرج الوضع عن السيطرة». لكنه شدد على أن ذلك «لن يستمر. عملية ضبط النفس والاستمرار في تلقي الضربات لن تستمر لأن ذلك سيؤدي في النهاية إلى مخاطر شديدة على أمن مصر». وتعهد بالتصدي لتلك العمليات «بكل قوة وحسم». ونعى وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم «شهداء الأمن المركزي الأبطال الذين استشهدوا في هجوم غادر في شمال سيناء». وقال بيان للوزارة إن إبراهيم «وجه كل الأجهزة الأمنية المعنية بالوزارة بتوفير أوجه الرعاية الشاملة لأسر الشهداء الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل أداء رسالتهم النبيلة في حفظ الأمن والأمان في البلاد». وشدد على «ضرورة تكثيف الجهود الأمنية لضبط العناصر الإرهابية التي ارتكبت الحادث الغادر». غير أن عملية إعدام الجنود أظهرت إهمال أجهزة الأمن التي سمحت بسير تجمع الجنود من دون تأمين أو تسليح رغم تكرار عمليات استهداف عناصر الشرطة والجيش خلال الفترة الماضية. في المقابل، بدا واضحاً أن الجماعات المسلحة هناك «منظمة» إلى حد بعيد، إذ بدت العملية مخططة، وأن تلك الجماعات تتعاون مع بعض أهالي سيناء، إذ ان الجنود كانوا يرتدون الملابس المدنية، ما يعني أنهم كانوا تحت المراقبة حتى وصولهم إلى موقع الهجوم. واجتمع أمس الرئيس الموقت عدلي منصور مع وزيري الدفاع والداخلية للبحث في «آخر تطورات المشهد الراهن والحالة الأمنية في سيناء»، بحسب تصريحات للمستشار الإعلامي للرئيس أحمد المسلماني. ودانت مؤسسات الدولة وقوى سياسية العملية «الغادرة». واستنكر المفتي شوقي علام في شدة «الاعتداء الإرهابي الغاشم الذي تعرض له جنود الأمن المركزي في مدينة رفح»، داعياً إلى «اتخاذ الإجراءات الحازمة كافة لحماية سيناء وجنودنا هناك». وطالب الأجهزة المعنية والتنفيذية «باتخاذ الإجراءات المطلوبة في مواجهة هذه التحديات الخطيرة والضرب بيد من حديد لحماية سيناء والسيادة المصرية، وأن يتحمل الجميع مسؤوليته في الحفاظ على سلامة أرض الوطن بكل حزم». وقال: «إننا إذ نعبر عن إدانتنا الكاملة للعنف والإرهاب في كل أشكاله التي حرمها الإسلام تحريماً قاطعاً، فإننا نحذر المصريين عموماً والشباب خصوصاً من التورط في اقتتال واحتراب لا شرعية دينية له ولا مصلحة فيه إلا لأعداء الوطن في الداخل والخارج». وقدم تعازيه إلى «أسر الشهداء الأبرار»، مؤكداً أن «هذا العمل الإرهابي الذي استشهد فيه جنود الأمن المركزي من خيرة أبناء مصر ينبغي ألا يمر مرور الكرام». ودان مؤسس «التيار الشعبي» المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي مقتل الجنود. وقال إن «مقتل جنودنا في رفح بيد إرهاب منظم لا دين له ولا خلق ولا انتماء إلى وطن. في سيناء والوادي الإرهاب واحد، ومصر الواحدة ستهزم الإرهاب». وأضاف أن «الهجوم الغادر يثبت أن جماعات الإرهاب تتحد جميعاً في مواجهة الدولة الوطنية. معركتنا ضد الإرهاب مستمرة وسننتصر». ودانت حملة «تمرد» قتل «الجنود الأشراف على يد جماعات إرهابية فقدت آدميتها، فأصبح الإرهاب والعنف والتطرف هو دينها وسلوكها اليومي». وأضافت في بيان أن «تلك الجماعات لا تكف ليل نهار عن التحريض على العنف والدعوة إليه وممارسته في كل مكان على أرض مصر دفاعاً عن سلطة زائلة أسقطها الشعب المصري العظيم». وحملت جماعة «الإخوان» وأنصارها «مسؤولية الدم الذي يراق على أرض مصر، فأفعال هذه الجماعة ودعوتها إلى العنف أفقدتها أي تعاطف من جماهير شعبنا العظيم لتصبح وحيدة معزولة بلا أي ظهير شعبي». واعتبر رئيس حزب «النور» السلفي يونس مخيون استهداف الجنود «عملاً إجرامياً يتعارض مع صحيح الدين وكذلك الإنسانية والمروءة». وأضاف أن «هذه العمليات الإجرامية هي نتاج فكر تكفيري منحرف وفتاوى تكفير عموم أفراد الجيش والشرطة»، مؤكداً أن «هذا يحتم على أطراف النزاع القائم الآن إبداء المرونة لإيجاد حل ومخرج للأزمة الراهنة لإعادة اللحمة للشعب المصري. ولا بد من أن نعلم أن الحلول الأمنية وحدها لا تكفي ولا تجدي وربما تزيد الأمور تعقيداً، وعلى الجميع إعلاء المصلحة العامة للوطن».