أعلن باحثون أميركيون أنّهم استطاعوا للمرّة الأولى، إظهار نمط عن حدوث طفرة في نمو السكان وركوده في العصر الحجري الحديث، من دون أن يكون هذا النمط مرتبطاً بالتغيّر في المناخ. ووفق دراسة نشرتها مجلة «ساينس» العلمية الشهيرة على موقعها الإلكتروني أخيراً، يبدو أن المزارعين الأوائل الذين اجتاحوا أوروبا قبل ما يتراوح بين 6 و7 آلاف سنة، تكاثروا بسرعة كبيرة هزّت أسس معيشتهم. والأرجح أن هذا التكاثر حدث بسرعة فائقة. وسلّطت دراسة جديدة لمواقعَ أثريّة في مناطق في غرب أوروبا، الضوء على نمط متّسق من تكاثر السكان ضمن مجتمعات المزارعين في العصر الحجري الحديث. ولاحظت الدراسة أن هذه المناطق شهدت تزايداً كبيراً في عدد سكانها، خلال فترة زمنية قصيرة نسبية. ولم يدم التزايد طويلاً، وتهاوى سريعاً، بعد زمن يسير من وصوله إلى الذروة. وعلّق البروفسور ستيفن شينان، وهو عالم آثار في «يونيفرسيتي كولدج لندن»، على الظاهرة بالقول: «إنها تظهر إمكان أن نرى تاريخاً حافلاً بالطفرات، مع مراحل ركود، في تكاثر السكّان». لأوقات طويلة، افترض الباحثون أنّ مزارعي أوروبا الأوائل عاشوا حياة أكثر استقراراً، بالمقارنة بمجموعات رحّالة كانت تطوف أرجاء تلك القارة بحثاً عن الطعام، وكذلك الأمر بالمقارنة بمجموعات اخرى كانت تعتمد في حياتها على صيد الأسماك، وهي تهجّرت عند مجيء هؤلاء المزارعين. وفي ذلك الوقت، شكّلت النباتات والمزروعات والحيوانات مصادر مضمونة للغذاء بالنسبة إليهم. فشل الافتراضات في صورة روّج لها منطق علمي ساد طويلاً، أن هذه الأمور خوّلت مجموعات المُزارعين إنجاب مزيد من الأطفال، ما رسّخ وجودهم في الأماكن التي ظهروا فيها. ووفق تلك الافتراضات، انبنى مشهد شامل يستند إلى نمو تدريجيّ للشعوب التي تعمل في مجال الزراعة، بقي متواصلاً بتؤدة حتّى عصور حديثة. وفي هذا الصّدد، يقول شينان: «أشارت الافتراضات عموماً إلى أن هذه الشعوب تزايدت عددياً بشكل بطيء، لكنه شديد الثبات والتماسك والتواصل». ومع ذلك، شدّد شينان على أمر مهم مفاده بأن الدراسات السابقة لم تُمحّص عن كثب، في السياق الذي رافق النمو السكاني محليّاً في مناطق أوروبيّة مختلفة، في الأزمنة التي تلت وصول المزارعين الأوائل. وخلال مساره الأكاديمي، عمل شينان في «يونيفرسيتي كولدج لندن» مع مارك توماس، وهو اختصاصي في علم الوراثة التطوّرية، على تطوير منهج إحصائيّ لتَتبّع ارتفاع أعداد السكان وانخفاضها، بالاعتماد على تواريخ الكربون المشعّ في مواقع أثريّة في أوروبا. واستنتج العالِمان أيضاً أنّه كلّما ازدادت التواريخ التي تعود إلى مستوطنات العصر الحجري الحديث في منطقة ما، ارتفع عدد السكان. وعند استخدامهما مجموعات من التواريخ لرصد أنماط نمو عدد السكان وتراجعه داخل مواقع أثريّة في أوروبا، عمد العالِمان أيضاً إلى مقارنة المنهجية التي اعتمداها بدراسة أنماط تُظهرها أنواع حبوب اللقاح التي اكتُشفت في هذه المواقع، لأنها ترتبط بالفترة التي أقدم فيها المزارعون على قطع الأشجار لزراعة الغلال. ولفت شينان إلى أن هاتين المقاربتين في حساب نمو السكان في تلك الآجال، أعطتا نتائج متطابقة.