كتاب «الورثة» (أو «الإرث» بمعنى ما ترك جورج بوش لباراك أوباما) من تأليف الصحافي الأميركي البارز ديفيد سانغر ذكرني بين صفحة وصفحة بكتاب سبقه بسنة هو «الادعاء على جورج بوش بتهمة القتل» من تأليف فنسنت بوغليوسي، وهذا ربما كان أشهر مدعٍ عام في تاريخ كاليفورنيا حتى تقاعده. بوغليوسي قدم قرار الاتهام بحق الرئيس، وبما يكفي لانتزاع حكم بإدانته أمام محكمة أميركية، وسانغر عرض التركة الثقيلة التي تركها بوش للرئيس الذي خلفه في البيت الأبيض وما يحتاج أن ينجز لإصلاح الخلل على كل صعيد من داخل البلاد، وإلى العلاقات الخارجية، والحروب الخاسرة المستمرة في العراق وأفغانستان وعلى الإرهاب. أراجع الكتب كمواطن عربي وكاتب، ولاحظت عندما عرضت كتاب بوغليوسي انه يريد أن يحاكم بوش لموت أربعة آلاف جندي أميركي في حرب غير مبررة زُوِّرت أسبابها، وكتمت معلومات الاستخبارات المعارضة، وشكوت في حينه أن مئات ألوف العراقيين ماتوا ولا يسأل عنهم أحد، وعذر بوغليوسي انه قانوني أميركي وادعاؤه على أساس ما يعرف من قوانين بلده. لا أجد عذراً لسانغر، فهو صحافي متمرس وجدته دائماً موضوعياً، لأنه يتحدث عن «الورثة» الثقيلة فيبدأ بأربعة فصول عن إيران، ويكمل بفصلين عن أفغانستان، وبعدهما فصلين عن باكستان، وينتقل الى كوريا الشمالية ثم الصين ويختتم بسيناريوات كارثية محتملة، ولا يذكر القضية الفلسطينية بكلمة حتى ان اسم فلسطين غير وارد. القضية الفلسطينية هي التي أطلقت كل قضية لاحقة في الشرق الأوسط، والفشل في حلها مع التزام الإدارات الأميركية منذ ليندون جونسون بإسرائيل التزاماً عضوياً هو الذي جعل الفلسطينيين، وبعدهم العرب والمسلمون، يفرزون جماعات أصولية متطرفة، وانتهينا بإرهاب القاعدة والقواعد المماثلة والكل يعلق ارهابه على شماعة فلسطين. أقول للرئيس أوباما، ولديفيد سانغر وغيره، انه إذا لم تحل القضية الفلسطينية فلن تحل أي قضية أخرى، والحل مطلوب لذاته، ثم لاستباق الوضع فلا يحصل ارهابيون على أسلحة دمار شامل ويستعملونها ضد أميركا أو اسرائيل. الكتاب لا يورد شيئاً عن القضية الأصلية بل ان اسمي الرئيس حسني مبارك والرئيس محمود عباس غير واردين، واسم الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرد مرة واحدة لأن مسؤولة أميركية حدثته، أما اسم الرئيس بشار الأسد فوارد في حديث عن الغارة الإسرائيلية على انشاءات نووية سورية مزعومة. لا ألوم سانغر فما أغفل تقصير أميركي عام، وكأن الإدارات المتعاقبة والميديا أقنعت نفسها بأن القضية الفلسطينية غير موجودة. وقد وجدت الكتاب في المواضيع التي طرحها مفيداً جداً وحافلاً بالمعلومات الخاصة التي حصل عليها سانغر بحكم عمله مراسلاً سياسياً لجريدة «نيويورك تايمز» النافذة. الفصول عن ايران تبدأ بتقرير الاستخبارات الوطنية لسنة 2007 الذي قرر ان ايران أوقفت برنامجها النووي العسكري سنة 2003، والمؤلف يقول ان الناس جميعاً توقفوا عند هذه المعلومة التي بدا كأن هدفها احباط محاولات نائب الرئيس ديك تشيني بدء حرب ضد ايران. ولكن التقرير ضم معلومات أخرى عن مواصلة ايران تخصيب اليورانيوم كما هو مطلوب لإنتاج سلاح نووي. وفي حين أنني كنت في نيويورك في خريف سنة 2006، وحدثت محمود أحمدي نجاد قليلاً داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنني قرأت معلومات كثيرة مثيرة ومفيدة عن كلام الرئيس الإيراني في مجلس العلاقات الخارجية وإصراره على التشكيك بالمحرقة بعد أن بدأ مذكراً بسرقة فلسطين من أهلها ومعاناة الفلسطينيين. الفصول عن أفغانستانوباكستان زاخرة بالمعلومات الخاصة، ومرة أخرى أجد المؤلف يكرر رأياً غربياً غريباً على أمثالي، فهو يتحدث عن الفساد في ولاية حميد كارزاي الأولى، وكيف أحاط نفسه بمتهمين بالفساد مطلوبين للمحاكمة. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فالرئيس الأفغاني العائد ضم اليه الجنرال محمد قاسم فهيم وهذا متهم بالاتجار بالمخدرات، أو ما هو أخطر من الفساد في بلد ينتج 93 في المئة من الاستهلاك العالمي من الأفيون، ما أجده غريباً هو الاعتقاد انه بغياب الفساد ستنجح مشاريع إعادة تعمير البلاد وتنتهي المشكلة، وهذا وَهْم، فالأفغان لن يُرشوا بمشاريع وسيقاتلون ما بقي جنود أجانب في بلادهم، وهذا مع التأكيد على ضرورة القضاء على الفساد. الفصول الثلاثة الأخيرة من الكتاب تنتهي بسيناريوات رعب، فواحد عن تفجير نووي قرب نصب جفرسون، وآخر عن بث بكتيريا قاتلة خلال تظاهرة ضد الحرب، وثالث عن هجمة الكترونية تقطع الكهرباء عن معظم البلاد وتعطل رقم الطوارئ 911. أقول ان كل هذا قد يحصل، بل أخشى أن يحصل إذا استمر تجاهل القضية الأصلية التي أطلقت كل قضية أخرى، وتصوروا معي الرئيس أوباما وهو يتبع خطاب القاهرة بخطاب آخر للعرب والمسلمين بعد سنة أو اثنتين يقول فيه: تفضلوا، ها قد أقمنا دولتين، فلسطين وإسرائيل، تعيشان بسلام جنباً الى جنب. لو فعل لسرنا كلنا وراءه.