تشهد خريطة الطاقة العالمية تغيّرات محورية وسريعة على مستوى الطلب، ففيما كانت الولاياتالمتحدة أكبر مستهلك للطاقة منذ بداية القرن ال20، تتخذ الصين منذ عام 2010 مكانة متقدمة لتستحوذ على أكبر حصة من الطلب على الطاقة تعادل ضعف ما كانت تستحوذه عام 2000، لتستهلك خُمس إجمالي الطاقة العالمي. وأشار المحلل الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» كميل عقاد إلى أن «الفحم يبقى مصدر الطاقة الرئيس للصين بثلثي إجمالي استهلاكها، ما يجعلها أكبر مستهلك ومنتج له، وعلى رغم ذلك فإن مستوى استهلاك الطاقة لكل فرد يبقى متدنياً مقارنة بالدول الأخرى مثل الولاياتالمتحدة وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، ما يُظهر أن مزيداً من الطلب على الطاقة سيأتي من الصين خلال السنوات المقبلة في الوقت الذي تعتزم الصين تعزيز قاعدة الاستهلاك». وأضاف أن «الصين تتجه لتصبح في مقدّمة الدول المستهلكة للنفط، بينما تحتل اليوم المركز الثاني ب10.6 مليون برميل يومياً مقارنة بالولاياتالمتحدة التي تستهلك حوالى 19 مليون برميل يومياً». وزاد: «على رغم هذا الفرق الكبير، يجب النظر إلى تطور نمو الطلب في الدولتين، فالولاياتالمتحدة شهدت ثباتاً في مستوى الاستهلاك خلال العقد الأخير، في حين كان الاستهلاك الصيني ينمو بانتظام منذ حوالى عقدين، ليرتفع بمعدل ستة في المئة سنوياً من ثلاثة ملايين برميل عام 1995»، مشيراً إلى أن «معدلات النمو الحالية والمتوقعة للصين، إضافة إلى العوامل الديناميكية التي تعني عدد السكان وظاهرة التمدين، تُظهر أن معدل نمو استهلاك النفط سيبقى يرتفع خلال السنوات المقبلة». وأردف عقاد: «في المقابل، أصبحت توجهات إنتاج النفط تأخذ شكلاً جديداً، خصوصاً في الولاياتالمتحدة، حيث كانت مستويات الإنتاج على انخفاض منذ أكثر من عقد حتى الأزمة المالية عام 2008، قبل أن تعاود الارتفاع في شكل ملحوظ قد يتخطى مستوى الإنتاج السعودي». ويُعزى «انتعاش إنتاج الولاياتالمتحدة إلى التقدم التكنولوجي الذي أحرزته في قطاع استخراج النفط الصخري والذي قد يجعلها مستقلة ومكتفية ذاتياً في الطاقة». وبيّن أن «مستويات استهلاك النفط في الصين ترتفع باستمرار لتتجاوز حالياً أربعة ملايين برميل يومياً ترافقت مع زيادة في حجم استيراد الطاقة، في حين أن إدارة معلومات الطاقة الأميركية (إي آي أي) توقعت أن تتفوق الصين على الولاياتالمتحدة لجهة حجم استيراد النفط قبل نهاية السنة». وأوضح عقاد أن «هذه المعلومات تعني أن اعتماد الولاياتالمتحدة على دول الخليج المصدرة للنفط سيقل، وهو بالفعل بدأ يتراجع خلال السنوات الماضية، ويُتوقع أن يستمر التراجع على المدى المتوسط». ولكن، على رغم «انخفاض طلب الولاياتالمتحدة، فإن دول الخليج ما زالت تصدر النفط ومشتقاته بالمستوى ذاته الذي كان عليه قبل تغيّر مستوى طلب الولاياتالمتحدة، وذلك نتيجة زيادة الطلب من دول آسيا الناشئة منذ أكثر من عقد حين انتقل قطاع التصنيع إليها، ما جعلها شريكاً أساساً في التبادل التجاري مع الخليج». ولفت إلى أن «بفضل ارتفاع الطلب على النفط من آسيا، وعلى رغم انخفاضه من الولاياتالمتحدة، من منطقة الخليج، لا يُتوقع أن تنخفض أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الأزمة، إذ يُتوقع أن يبقى استهلاك دول آسيا الناشئة مرتفعاً بدعم من طلب الشركات والأفراد، وأيضاً من تنمية البنية التحتية في هذه الدول لتلبية الحاجة السكانية، وزيادة الطبقة المتوسطة والتمدين، إضافة إلى تطوّر قطاع التصنيع».