في كل بيت غالباً ما تجد سيدة مسنة عمرها شارف على ال 60 أو تجاوزه بقليل، يصرف عليها أبناؤها، ويستقطعون لها من رواتبهم كل شهر، أو يعطونها عند الحاجة، أو في المناسبات، أو أن تكون محرومة انشغل عنها الجميع، أو ربما لا تجد من يعولها ويكمل حوائجها. هذه السيدة العظيمة هي أمي وأمك وكل أم سخّرت نفسها لتربية أولادها والاهتمام بشؤون زوجها وبيتها، وأفنت عمرها من أجل أن يكونوا أبناء صالحين يخدمون دينهم ووطنهم، وكانوا كذلك بفضل الله ثم بفضلها العظيم. نحن ولله الحمد نمتلك عملاً وراتباً، وحصلنا على منح وقروض ومكرمات وفضل من الله وخير كثير، ومن حقهن علينا أن نقتسم معهن مالنا وطعامنا وكل ما نملك، ونبقى مقصرين مهما بذلنا من جهد ومجهود، لكن يبقى السؤال على ماذا حصلن «أطال الله في أعمارهن»؟ فربما تصل أمهاتنا (وأتحدث هنا عن غير المتعلمات واللاتي بالكاد تستطيع إحداهن أن تقرأ من مصحفها) للستين والسبعين وهن لا يمتلكن دخلاً خاصاً، أو أرضاً، أو تأميناً طبياً، ولم يدخل في حسابهن أي مبلغ من مكرمة أو منحة أو حتى عيدية. فلا «حافز» يقبل بهن، ولا ضمان يعطف عليهن! إذاً لماذا لا ينظر إلى أمهاتنا بعين الاعتبار وتعويضهن عن ذلك؟ ولماذا لا يُخصص مبلغ شهري لربات المنازل اللاتي آثرن البقاء في منازلهن وتربية أبنائهن على الخروج للعمل؟ أليس لهن الحق في ذلك؟ فوجودهن بمنازلهن يعتبر وظيفة، وهن أكبر مؤسسة تدريب وتثقيف في المجتمع، فمن الظلم لهن أن تسخر حياتهن لبيوتهن وأولادهن ويجدن أنفسهن في النهاية يستعطفن هذا! ويستجدين ذاك، أو تمنعهن كرامتهن من سؤال أبنائهن أو بناتهن. فرسالتي هنا رسالتان، أبعثهما إلى كل مسؤول صاحب قرار، وأضعهما على طاولة كل عضو من أعضاء مجلس الشورى الموقر، وأقول في الرسالة الأولى: أمهاتنا يجب أن ينظر إليهن، فمن أبسط حقوقهن أن يتذوقن من خيرات هذا الوطن. أما الرسالة الثانية الأخرى، فهي إعادة النظر في وضع ربات البيوت «العاطلات» عن العمل، وذلك بصرف رواتب شهرية لهن تخفف عنهن أعباء تلك المسؤولية، فإن كان الموظف يعمل فقط ثماني ساعات في اليوم! فهي تعمل طوال يومها بكل جد وأمانة وإخلاص، فانظروا إليهن حتى لا ينظرن إلى مستقبلهن في حال أمهاتهن.