تتنافس الشركات والمؤسسات الاقتصادية والصناعية على اختلاف تخصصاتها على اقتناء المواهب المتميزة لضمان التفوق وكسب رهان المنافسة أمام الآخرين. وتعترض هذه الشركات المتعددة الجنسية مشكلة في اختلاف التركيبة السكانية لدول الشمال، حيث تتراجع معدلات الولادات في مقابل ارتفاع معدلات الشيخوخة، ما يؤثر في القدرة التنافسية للشركات ويجعل تعاونها مع الجنوب أمراً مفروضاً إذا كانت تحرص على التربع على القمة. وبحسب المؤتمر السنوي لمعهد إدارة النظم والموارد البشرية التابع لجامعة برن السويسرية، الذي اختتم أعماله قبل أيام، يبلغ من تتراوح أعمارهم بين 60 و65 سنة في أوروبا 47 في المئة من الطاقات العاملة، في حين أن نسبة الشريحة العمرية بين 25 و39 سنة لا تتجاوز 15.5 في المئة، ما يعني أن الرعيل الأول المشارف على مرحلة التقاعد لن تعوضه الأجيال الشابة. ويقول مدير معهد إدارة النظم والموارد البشرية في جامعة برن السويسرية، رئيس المؤتمر البروفسور توماس توم ل «الحياة»: «إن التنافس الاقتصادي يجعل الشركات تتحول من البحث عن مجرد أيادي عاملة إلى التنقيب عن العقول الشابة المتميزة لضمان التفوق على المنافسين، فما من شك في أن التطور والابتكار هما قاطرة النجاح الاقتصادي». في الوقت ذاته يؤكد نائب رئيس مركز كفاءة الإدارة العامة في جامعة برن أدريان ريتس ل «الحياة»: «أن غالبية الشركات بدأت منذ فترة في تأسيس شبكات تبحث عن مواهب وعقول متميزة بين طلاب السنوات النهائية في الجامعات، فتحرص على إجراء عملية استطلاع للمتفوقين والمجالات التي يتميزون فيها، ثم التقرب منهم من خلال مسابقات ومشروعات بحثية مشتركة بين المؤسسات الصناعية والاقتصادية والجامعات. إثر ذلك تقدم الشركات برامج تدريب لمن يقع عليهم الاختيار، لفترات تتراوح بين ستة أشهر وعام ونصف العام، بحسب نوع المؤسسة والتخصص، لتسهيل عملية الانتقال إلى المسيرة المهنية والعملية». ويؤكد البروفسور توم أن حقيقة الاعتماد على الكفاءات البشرية من الجنوب «تفرض تحدياً كبيراً على الطرفين، أبناء الجنوب والقارة الأوروبية على حد سواء، فمن ناحية يجب على الأوروبيين تعلم كيفية التعامل مع ذوي الثقافات المختلفة غير الأوروبية سواء كانت هندية أو صينية أو ذات طابع مسلم، في حين أن الأوروبيين أنفسهم لديهم بعض الحزازات العرقية». ويشير توماس توم إلى أن المعهد أجرى استطلاعاً للرأي بين 41 من المؤسسات الصناعية والاقتصادية الكبرى في العالم، «تبين منه أن 45 في المئة منها تحرص على اكتشاف المواهب الشابة من بين العاملين لديها وتبنيها، بينما تلجأ البقية لتصيد من لا تعثر عليهم بين صفوفها من الشركات الأخرى أو من بين طلاب الجامعات أينما كانوا، لا سيما في السنوات النهائية». واللافت أن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية لم تؤثر في توجهات أكثر من نصف الشركات بحسب الاستطلاع وهي تواصل البحث عن موهوبين ومتميزين، في حين أن 25 في المئة من الشركات ترى أن الأزمة أتاحت «فرصة لاقتناص العقول المفكرة والمواهب الشابة من الشركات والمؤسسات المشرفة على الإفلاس أو تعاني من ضائقة مالية، لأن الاستيلاء عليهم يضمن تجديد نشاط الشركة ويضمن القضاء على المنافسين تماماً والظهور في السوق بثوب جديد من خلال ما يمكن تقديمه من أفكار ومبتكرات». القاسم المشترك بين الشركات أنها ترفض الإفصاح عن الموازنة المخصصة لبرامج البحث عن المواهب البشرية وإعدادها وخطط حمايتها حرصاً على عدم تسربها إلى المنافسين». وأشار استطلاع أجراه معهد إدارة النظم والموارد البشرية في جامعة برن، إلى أن 90 في المئة من الشركات المشاركة فيه تقدم راتباً سنوياً للكوادر الشابة ذات الإمكانات المتميزة والواعدة يتراوح بين 80 ألف دولار و85 ألفاً سنوياً، و10 في المئة منها رفعت الأجر إلى 90 ألفاً، في حين أن من يتساوون معهم في العمر من «العاديين» يحصلون على نصف هذا الأجر.