قديماً، عُرِفَ الخوارج بأهل الجباه السود من كثرة صلاتهم وطول سجودهم، إلا أن صلاتهم وسجودهم لم يعصماهم عن تكفير مخالفيهم وسفك دمائهم. وكما اشتهر الخوارج الحرورية بسواد جباههم، فقد اشتهر الإخوان بما نظن أنه «زبيبة» تتوسط الجباه. كنت أظن - ويا لسذاجتي المفرطة – أن ما نحسبه «زبيبة» الإخواني دليل قاطع وساطع على عمق تدينه وشدة تنسكه، ولكني دُهشت حين رأيت جباه الإخوانيات بلا «زبيبة». أيعني هذا أن الإخوانية لا تديم الصلاة ولا تطيل السجود كما هي الحال مع أخيها الإخواني؟! ثم أني لاحظت كذلك أن جباهاً في الأردن وسورية والخليج وغزة لا ترصّعها «زبيبة» كما تجدها واضحة وجلية في جبين مهدي عاكف.. وعصام العريان.. ومحمد بديع.. ومحمد البلتاجي.. ومحمد الكتاتني.. والبقية! ومازال السؤال عالقاً وحائراً: لماذا تنبت في منتصف جبهة الإخواني المصري «زبيبة» ولا تنبت - مثلاً - في جباه أعضاء «حماس» الفلسطينية، أو في جباه أعضاء «حدس» الكويتية، أو في جباه أعضاء «الإصلاح» البحرينية، أو في جباه أصحابهم من نجوم الصحوة والدعوة السعوديين؟ وعند السؤال والبحث والتقصي، علمت أن الشخص لا يحتاج لئن يصل الليل بالنهار في ركوع وسجود حتى تنبت في جبهته تلك الزنبقة السوداء. كل ما يحتاج إليه هو أن يفرك جبهته على سجادة خشنة، أو أن يشتري حجراً من محل عطارة ليفرك به جبهته، أو أن يضع فوق جبينه ولدقائق عشر باذنجانة مشوية ساخنة أُخرجت للتو من الفرن. إذاً، قد لا تكون «زبيبة» الإخواني إلا حيلة من الدور الذي تلعبه ما نحسبها «زبيبة» الإخواني في مجتمعات تنساق بسذاجة وراء المظاهر والشكليات الدينية. ويا ليت تلاعب الإخوان يقف عند «زبيبة»، ولكن المراوغة حاضرة ودائمة في وجوههم وسلوكهم وكلامهم وكتبهم ووعودهم. ولعلي لا أجافي الحقيقة لو قلت إن الإخوان يقعون في المخادعة مادامت تبلغهم مقاصدهم. يقول أحد أعضاء الجماعة ومؤرخيها محمود الصباغ (ت 2011) في كتابه «حقيقة النظام الخاص»: «إن قتل أعداء الله غيلة هو من شرائع الإسلام، ومن خدع الحرب فيها أن يسب المجاهد المسلمين وأن يضلل عدو الله بكلام حتى يتمكن منه فيقتله»، ويقول كذلك: «يجوز إيهام القول للمصلحة». وقد يقول قائل: «تلك هي السياسة يا سادة. وما من أحد من أهلها في الحاضر أو الماضي وفي الشرق أو الغرب إلا وقد كَذبَ وداهن». ولكن هل الإخوان كمثل بقية الأحزاب الدنيوية الأخرى؟! أيجوز لمن يدعي أنه من يجسّد الإسلام عقيدةً وسلوكاً وفكراً ومنهجاً أن ينزلق إلى مستنقع الخديعة؟! من يتتبع بعض سير جماعة الإخوان، سواء أكان في ماضيها أو في حاضرها، ليصاب بالصدمة والدهشة من بعض قصص تلونها وجرأتها على اجتراح الأضاليل، وهو ما يتطلب تخصيص كتاب ليجمع ويخلّد بين دفتيه ذلك منذ أيام البنا إلى أيام بديع. لقد تردد جحد وإنكار حسن البنا أن يكون لجماعته جهاز خاص وسري يتولى القيام بعمليات التقتيل والتفجير، وقال قولته الشهيرة «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، وأنكرت الجماعة من بعده صلتها بمحاولة اغتيال عبدالناصر في حادثة المنشية. والغريب أن رجال الجماعة القدامى إذا ما أشرفت شمسهم على المغيب، امتشقوا أقلامهم، وخلعوا ثياب الحملان، وراحوا يفضحون المخبوء، ودونك ما تركه محمود الصباغ.. وعبدالمنعم عبدالرؤوف.. وصلاح شادي.. وغيرهم من مذكرات. وحمداً لله أن بعض متقاعدي الجماعة والمنشقين عنها هم من ينفضون أسرارها ويهتكون أستارها، وإلا لاتهمنا بالكذب على أنصار العدل والإسلام ممن نظن أنهم أهل «زبيبة»! [email protected]