تشهد مدينة لندن موسم صيف جيّداً، وسط موجة تفاؤل يصعب عدم ملاحظتها. فالسنة الماضية، كان أداء الرياضيين البريطانيين من رجال ونساء جيّداً في الألعاب الأولمبية، وتكلّلت حفلة افتتاح الألعاب بالنجاح، حتى ان الطقس في لندن كان جميلاً. بيد ان المشهد المالي لم يكن بهذا المقدار من الإيجابية في 2012، إذ كانت الحكومة عرضة للانتقادات، لأنها فرضت على البلاد موازنة تقشف، وكانت الضرائب ترتفع، في حين تعرّض كثيرون لضغوط مالية. غير ان أرجاء كثيرة في لندن بقيت بمنأى عن هذه الضغوط. وتُعدّ لندن مدينة دولية تجذب رؤوس الأموال وأصحابها من حول العالم. وللاقتصاد العالمي والغموض الذي تختبره أماكن أخرى وقع كبير على مدينة لندن، يحاكي ذلك الخاص بالمسائل الاقتصادية المحلية في أنحاء أخرى من بريطانيا (إن لم يكن أكثر). وتعرّض الجنيه الإسترليني لضغوط، واعتبر الأجانب المقبلون على شراء العقارات ان تملّك عقارات في لندن يصبح ميسّراً، مع ان الأسعار بالجنيه الإسترليني تواصل ارتفاعها. واكتشف مستثمرون إمكان تحقيق عائدات معقولة وجعل الأرباح الرأسمالية معفية من الضرائب. وفي حين شهدت أنحاء كثيرة من بريطانيا ركوداً في سوق العقارات، بقيت المناطق الراقية في وسط لندن تشهد ارتفاعاً في الأسعار. وبقي تأثير الغموض المالي والسياسي في أنحاء العالم، وازدياد أهمية امتلاك منزل في مدينة آمنة، تكون اللغة الإنكليزية هي اللغة الأساسية فيها، يساهم في رفع الأسعار. ولم تنفجر «الفقاعة» العقاريّة المعرّضة للخطر في 2012، وثمّة شعور جديد بالتفاؤل في 2013، يمتد إلى القطاعات كلها في لندن بحدّ ذاتها. يهوى رئيس بلدية لندن بوريس جونسون ركوب الدراجات الهوائية، بالتالي، يحاول تحويل لندن إلى مدينة آمنة لنظرائه. وساهم الإرث الذي تركته الألعاب الأولمبية، وفوز البريطانيين برادلي ويغنز وكريس فروم بآخر سباقين للدراجات في فرنسا، في تشجيع عدد كبير من الأشخاص على ممارسة رياضة ركوب الدراجات. وأخيراً شارك 20 ألف شخص في سباق دراجات لمئة ميل باعتماد الطريق ذاتها التي سلكها متسابقو الدراجات خلال الألعاب الأولمبية، انطلاقاً من الملعب الأولمبي في لندن، ومروراً بالمدينة وبتلال سري، ليعودوا بعد ذلك إلى نقطة الانطلاق. وأُغلِقت الطرق فيما كانت أشعة الشمس ساطعة. وكان كلّ راكب دراجة تقريباً يساهم في جمع المال لجمعيات خيرية، بما فيها «جمعية ولفير» التي تدعم الفلسطينيين في فلسطين ولبنان، و«جمعية الصرع» التي تعنى بالمصابين بهذا المرض. وتملك لندن أسباباً أخرى للتفاؤل، حيث يودّ أشخاص كثيرون المكوث فيها، وينتقل أثرياء كثيرون قادمون من فرنسا للعيش فيها، بهدف تفادي الضرائب المرتفعة في فرنسا، ما يجعل لندن سادس أكبر مدينة فرنسية، من ناحية عدد سكانها من الفرنسيين. ويبدو ان أناساً من العالم أجمع يريدون ان يكونوا في لندن، ومن شأن ذلك ان يزيد الثقة في المدينة. لكن ينبغي أخذ بعض المسائل بالحسبان قبل الانتقال للعيش في لندن. يشهد نظام الضرائب في بريطانيا تغيّرات. واكتشف كثيرون ان حيازة عقارات عن طريق شركات الأوفشور مكلفة جداً. والملفت ان أيّ عقار مملوك للاستخدام الشخصي بقيمة تزيد عن مليوني جنيه إسترليني يخضع لرسم سنوي، مع الإشارة إلى ان هذا الرسم يرتبط بمؤشر، ما يعني ان التكلفة ترتفع بموازاة ارتفاع التضخّم. ووقّعت بريطانيا عدداً من المعاهدات الضريبية مع جهات اعتادت التكتّم الشديد واحترمت كثيراً سرية الزبون. كذلك وقّعت جيرسي وسويسرا معاهدات مماثلة، علماً بأنّ مفهوم سرّية العميل ما عاد في الواقع موجوداً. وتواصل رسوم الإيجار ارتفاعها، ويناسب ذلك الملاكين المستثمرين. لكن مع ارتفاع رسوم الإيجار وابتعادها عن متناول الأشخاص العاديين، تزداد الضغوط السياسية على الحكومة للرد عن طريق الحد من الإيجارات. ويستبعد إلى حدّ كبير فرض قيود على العقارات الأغلى ثمناً، على رغم احتمال تقييد رسم يمكن ان يفرضه الملاّك على العقارات «العادية». في 2014، ستصوّت اسكتلندا على خيار ان تصبح دولة مستقلة ومنفصلة عن سائر بريطانيا. وتشير استطلاعات الرأي إلى ان نتيجة التصويت ستكون معارضة لهذا الانفصال، بيد ان أشخاصاً في سن السادسة عشرة والسابعة عشرة سيتمتّعون بحقّ التصويت للمرّة الأولى، ولا أحد يعرف كيف سيصوّتون وما العوامل التي ستؤثّر فيهم. وتعود جذور أندي موراي، البطل البريطاني في كرة المضرب الذي فاز بكأس ويمبلدون للمرة الأولى في 2013، إلى اسكتلندا. وفي حال أيّد الانفصال، سيحذو حذوه أشخاص كثيرون. ولا شكّ في ان الأطراف الراعية له أوصته بالبقاء بعيداً عن النقاش السياسي. ولا يزال حسن الطالع يرافق رئيس الوزراء ديفيد كامرون على الصعيد السياسي، مع ولادة أمير كامبريدج جورج، ابن دوق ودوقة كامبريدج، في يوم مشمس من تموز (يوليو)، وباتت بريطانيا تحظى بولي عهد ثالث. وانشغلت وسائل الإعلام بهذا الحدث، وباتت الروايات السياسية السلبية في غياهب النسيان لأيام قليلة. وساهم مزيج النجاح الرياضي في مجال ركوب الدراجات وكرة المضرب والكريكيت من جهة، وبين الإرث الأولمبي والإحساس بإمكان حصول تعافٍ اقتصادي محتمل من جهة أخرى، في جعل لندن مكاناً مثيراً جداً للاهتمام وممتعاً على مرّ الأشهر القليلة الماضية. ولا تزال لندن مدينة عالمية بآفاقها، ترحّب بالجميع وتعدّ محركاً لاقتصاد بريطانيا عموماً. ويؤمل ان تبقى السماء زرقاء على امتداد آب (أغسطس)، وأن يرى الزوار الأجانب الذين يزورون لندن للمرة الأولى هذه المدينة على أفضل حال لها، وسط جوّ من التفاؤل. محامٍ بريطاني في لندن