يقدم متحف حقوق الإنسان في كندا، الذي يفتتح رسميا في تشرين الثاني (نوفمبر)، مجموعة مذهلة من شهادات شفهية ومكتوبة لناجين من إبادات جماعية أو اضطهاد عرقي. ويقام هذا المتحف في وينيبيغ في قلب سهول مانيتوبا وسط كندا. ومع أن افتتاحه الرسمي حدد في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، إلا أن الزيارات المنظمة اليه بدأت فعلاً في الأسابيع الماضية. واختير لهذا المتحف موقع يحمل رمزية كبيرة تتلاءم مع الهدف منه القاضي بفهم الآخر وتعزيز قيم حقوق الانسان، اذ يقع في منطقة كانت تتقاطع فيها مواطن جماعات السكان الأصليين. وبذل المسؤولون عن المتحف جهوداً مضنية لجمع المواد المعروضة، وهي تسجيلات مصورة وآلاف الوثائق والصور، التي تساهم في تكوين صورة واسعة عن مفاهيم حقوق الإنسان التي "تكثر تعريفاتها"، وفق ما تقول مديرة الأبحاث في المتحف جودي غيشبرشت. وتضيف في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" أن "بعض الأمور المسلم بها حاليا لم تكن تدرج في الماضي في إطار مفاهيم حقوق الإنسان"، مشيرة الى أن "المسائل المستجدة المتصلة بحقوق الإنسان هي التي تثير الخلاف"، علماً أن أحداثاً تاريخية كبرى في هذا السياق ما زالت أيضاً محل جدل. وانشئ هذا المتحف بمبادرة من القطب الإعلامي السابق في كندا "ايزي اسبر". وتقول المسؤولة عن الشؤون الإعلامية مورين فيتز إن "فكرة المتحف لا تقوم على وجود وثائق، بل على رواية أحداث تاريخية"، مشيرة الى "وجود أحداث مأسوية أكثر مما يمكن جمعه". وتضيف "معظم متاحف حقوق الإنسان تحيي ذكرى أحداث معينة، لكن موضوع هذا المتحف هو فكرة حقوق الإنسان نفسها، ويجري عرضها من خلال شهادات من الضحايا والنشطاء الحقوقيين وغيرهم". ويمكن للزوار أن يتجولوا في مساحات المعرض الممتدة على عشرين طابقاً، والتي تنقلهم بشكل تدريجي من الظلمة الى الضوء، في هندسة أريد منها إثارة الأمل في النفوس على الرغم من الأحداث المظلمة التي سجلها التاريخ. ووثقت هذه الأحداث المظلمة من خلال نحو مئة شهادة مسجّلة من ناجين من فظائع أو إبادات جماعية، مع صور كثيرة تعيد الى أجواء المحرقة النازية، ومجازر ارتكبها بنو البشر في حق بعضهم البعض. ومن الصفحات السوداء في تاريخ كندا تلك التي توثقها صور تظهر اعتقال أوكرانيين في الحرب العالمية الأولى، واقتياد أطفال من أبناء السكان الأصليين للعمل سخرة على يد المستعمرين. لكن المتحف لا يخلو من الصفحات البيضاء أيضاً، موثقا التقدم الذي أحرز في مجال المساواة بين الأعراق، وإقرار الحريات الأساسية. ويأمل المسؤولون عن متحف حقوق الإنسان أن "يعرضوا وجهات نظر مختلفة، وأن يثيروا النقاش بين الزوار"، وفق جودي غيشبرشت. وبلغت كلفة إنشاء هذا المتحف 351 مليون دولار، وهو من تصميم المهندس الأميركي انطوان بريدوك، الذي اختار له تصميماً حديثاً مع برج يعلو الى ارتفاع مئة متر. ويستهدف المتحف بشكل أساسي الطلاب والشباب. واعتباراً من مطلع العام الجديد ستنظم جولات للطلاب اليه من كندا وخارجها، ورصدت أموال خصصت لهذه الغاية.