مهما اختلفت الأمة في طقوس ومظاهر استعداداتها واحتفالاتها بشهر الصوم، إلا أنها لا تختلف في كون رمضان سيد الشهور، وشهر الله الذي له روحانيته وقدسيته، كما يجمعون على حبهم وتعظيمهم لشأنه، وفي أفئدتهم شوق للقائه، وتوق لإحياء لياليه بالعبادة: رمضان أقبل لم تزل تهفو إلى لقائك أحناء تئن وتشفق وتظل أفئدة تهيج لكي ترى في الأفق نورك المتدفق والله فرض على المسلمين الصيام في رمضان، وهو احدى عبادات الإسلام المفروضة ومن أركانه الخمسة التي هي عماد الدين، فرضها الله على عباده طاعة وتعبداً، وعبادة الصيام تعزز إيمان المسلم وتعصمه من الذنوب، ويتوب بصومه إلى الله متاباً، وينقي نفسه من الذنوب والخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، لذلك فإن المسلمين لا يختلفون فى أن رمضان شهر له فضله وحرمته، ويدركون أن فرصتهم فيه كبيرة للتقرب إلى الله والتوبة إليه، فهو موسم للأعمال الصالحة، وليس فقط لتأدية الفرائض وسائر الأعمال المندوبة، وإنما بتعويض ما قصرنا فيه وتكاسلنا عنه في تهاون وغفلة. لهذا فإن هذا الشهر الكريم، موسم يتسابق فيه المسلمون في طاعتهم لله والتقرب إليه والفوز بغفرانه ورضوانه. وإلى جانب عبادة الصوم، وهي عبادة عظيمة وأجرها عند الله كبير، هناك عروض رمضانية كثيرة للعبادات والنوافل، التي تزيد في أجر المسلمين، وترفع درجات أعمالهم الصالحة. لكن الصوم عبادة عظيمة وسرها أعظم، لأن الله وحده هو المطلع على إخلاص العبد فيها وصدقه في أدائها، وهو الذي يعلم إن كان العبد فيها مرائياً وكاذباً. ومن العبادات التي يجتهد فيها المسلم في رمضان، والتي هي جوهر العبادات فيه ومن سمات روحانياته وتجلياته، صلاة القيام والصدقة وقراءة وتدبر القرآن العظيم، لأن رمضان شهر القرآن الذي أنزل فيه، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار عبادة، كقيام الليل بالتراويح والتهجد، وفي شهر رمضان يكثر المسلم من الصدقات وتؤتى الزكاة الواجبة. ولأنه شهر رحمة تتجسد فيه وحدة المسلمين في أجل وأكمل صورها، اذ يفطر المسلمون في البلد الواحد في ساعة ولحظة واحدة، ويمسكون عن الأكل والشرب وما أحل الله لهم من متع الحياة ليلاً في وقت واحد، لذلك فاننا مطالبون بالتواصل مع الأهل والأصحاب. فصلة الأرحام إن كانت واجبة على المؤمنين بأمره سبحانه، فإنها أوجب في شهر الله الكريم. وهو موسم نتذكر فيه من انقطعنا عنهم بالزيارة واللقاء، ونمد أيدينا للمحتاج منهم بالعون. هذا هو رمضان إن نسينا، انه شهر عظيم وموسم خير للعبادات وفعل الطاعات، ولا تختلف شعوب الأرض الذين شهدوا لله بالوحدانية وللنبي بالرسالة في إيمانهم بهذه العقيدة والمقاصد السامية لشهر رمضان، على رغم اختلاف عاداتهم وتقاليدهم ومظاهر استقبالهم واستعدادهم له، وفرحهم وابتهاجهم بقدومه. فالمسلمون في العالم كله يهيئون مساجدهم للصلوات والعبادات ومسابقات القرآن والمحاضرات الدينية، وهم يشعرون برهبة وروحانية وسمو نفسي وهم يؤدون عباداتهم ويتقون الله في أعمالهم، اذ تتجلى مظاهر هذه الروحانيات في مواكب رؤية هلال رمضان وفي زينة المساجد وموائد الإفطار للفقراء والمساكين، وفي صلاة التراويح، وفي مظاهر وطقوس وإن اختلفت بين الشعوب، إلا أنها توحدهم في فهم مقاصد رمضان واستيعابهم لمعانيه، وأنه موسم لطاعة الله. ترى هل نسينا أن هذا هو رمضان وهذه مقاصده ومعانيه؟ موسم تترفع النفوس فيه عن شهواتها، وتصوم لا عن الأكل والشرب فقط، بل تصوم فيه جوارحنا وحواسنا عن كل كلمة خبيثة، أو مشهد يثير الغرائز، أو سلوك شائن يفجر غضبنا ويخرجنا عن حلمنا؟ أم أننا نسينا أن رمضان موسم تكبح فيه جماح الشهوات؟ وتتسامى فيه النفوس عن المتع المادية؟ كيف نتجلى ذلك المعنى ونتمثل به ونحن نتهافت فيه على (هايبرات التسويق)، التي تتنافس على شهوات بطون الناس، وكأن رمضان موسم للتخمة والشبع؟ وكذلك كيف نستعد للمرابطة أمام شاشات الفضائيات التي تتسابق على إغراء مشاهديها بالمسلسلات والفوازير ولقاءات النجوم والمسابقات الغنائية، لتسلية الصائمين والاستحواذ على متابعتهم وصرفهم عن التسبيح والذكر والدعاء؟ فهل أصبح رمضان موسماً للمسلسلات الفضائية، التي يحشد لها جيش من الممثلين والممثلات، وترصد لها ملايين الدولارات؟ وهو ما يفسد على الصائمين صومهم ويصرفهم عن عباداتهم. ويتنافى مع قدسية وروحانية الشهر العظيم. * كاتب سعودي.