من حق المخرج التلفزيوني نجدت أنزور ألا تعنيه القضية الفلسطينية بشكل من الأشكال. فهذا شأنه الذي لا يناقشه فيه أحد، هو حر بانتمائه الى القضية التي يريد سواء جاءت على شكالة فانتازيا تاريخية، أو بطولات متخيلة في أكثر بقاع الأرض اخضراراً، انه حق مقدس لا ينكره عليه أحد. نسوق هذه المقدمة بعد قراءة حوار مطول مع أنزور نشر أخيراً في إحدى المجلات من دون أن نعرف بالتالي هل اجاباته المقتضبة حرّفت من قِبَل من أجرى معه الحوار، أو أن أنزور تقصد البوح بها من قبيل الترويج لمسلسله الجديد الضخم «رجال الحسم». فإن كان الأمر كذلك، فإن المخرج السوري مطالب بتوضيح أو أكثر، فهذا حق لمحبيه وواجب عليه. لأن القضية الفلسطينية بكامل تقلباتها وتشعباتها وتعقيداتها و«أخطاء» أصحابها تظل واحدة من أخطر القضايا وأكثرها نبلاً وعدلاً على وجه هذه البسيطة. هي ليست هبوطاً أو صعوداً في «بورصة» هذا النجم أو ذاك، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنه يمكننا أن نزعم أن أنزور تعمد اطلاق مثل هذه التصريحات من باب الدعاية لمسلسله الجديد عن الجاسوسية والجاسوسية المضادة التي «قد تربك حسابات اسرائيل» نفسها و«تفرض معادلات جديدة على الأرض». هذا يظل أمراً غير مقبول أبداً، لأن القضية الفلسطينية في نهاية المطاف ليست مكسر عصا لأحد، وهي بالقدر نفسه ليست عنواناً خاصاً بأحد ليمرر من خلال التنكر لها الرسائل الغامضة التي يفهم منها أنها تطاول مسلسلاً ناجحاً صنع عنها وعرض ولا يزال يعرض حتى يومنا على بعض الفضائيات العربية. لا يضير قضية فلسطين ألا ينتمي اليها المخرج أنزور، أو يحاكيها بمسلسلاته الكثيرة، على رغم أنه لا يزال يبحث عن (صلاح الدين) كما قال في برنامج «علامة فارقة» الذي كانت تبثه الفضائية السورية. فلسطين ليست قطعة خشب نادرة يمكن التكلم عنها بالطريقة التي اختارها مخرج «رجال الحسم». القضية الناجمة عنها، وهذا أمر بديهي، مثال حي نادر يمكن بالقياس عليه الاحتفاء بانسانية هذا أو ذاك، وبالتالي يمكن لهذا المثال الذي اقترب منه في أوقات سابقة شعراء وفنانون عرب وعالميون كبار، أن يسبغ على النشاط الانساني الابداعي صفة الديمومة والصدقية والشعور العارم بمزايا فعل الاخاء الانساني بين البشر أنفسهم. بالطبع قد يبدو مثيراً للبعض ما يقوله أنزور في هذا الصدد، فهذه عادة دأب عليها منذ أن قرر «تحريك واقع الدراما السورية الراكد» بحسب الكثير من تصريحاته الهجومية التي خلفت وراءها خصومات لا تنتهي مع زملاء كثر له يبدو أحياناً انه نادم عليها وبخاصة بعد أن أخفقت مشاريعه السينمائية الكبرى في ليبيا وغيرها. لا يضير القضية الفلسطينية أبداً ألا ينتمي اليها المخرج أنزور، ومع هذا تظل هذه القضية كما يعرفها الكبار، بوصلة أخيرة يمكن السير على هديها أحياناً.