احتفل المكسيكيون قبل أيام بتوجيه ضربة قاصمة إلى مافيا المخدرات. فزعيم اتحاد عصابات (كارتيل) «زيتا» للمخدرات، أنغيل تريفينو مورالس المعروف ب «زي - 40»، اعتقل. وهو كان أعنف رئيس عصابة في المكسيك، ووراء محاولة إسقاط طائرة الرئيس السابق فيليبي كالديرون. ومن المستبعد أن يطوي اعتقال «زي- 40» حرب المخدرات في المكسيك. فالطلب على المخدرات في الولاياتالمتحدة كبير، وأكثر المستفيدين من سقوط تريفينو هو غريمه، يواكيم غوزمن لورا، زعيم كارتيل سينالوا. ويقدر المحللون عائدات تجارة المخدرات العالمية بنحو 350 بليون دولار سنوياً، والرقم هذا متواضع، والأغلب على الظن أن العائدات الفعلية تفوقه. والواقع أن تجارة المخدرات ليست سوى جرم صغير في عالم الجريمة الدولية، ووفق «وورلد إيكونوميك فوروم»، تفوق عائدات النشاطات الجرمية العالمية العابرة للحدود من جرائم وفساد وتهرب ضريبي، تريليون دولار. ونسبة المخدرات والسلع المزورة إلى التجارة العالمية هي 8 في المئة. ولا تسلط وسائل الإعلام الأضواء على الجرائم المنظمة، وتبرِز أخبار عالم السياسة، على رغم أن الخيوط بين العالمين، الجريمة والسياسة، متشابكة. فعلى سبيل المثل، حوكم المعارِض الروسي، ألكسي نافالني، أمام القضاء بتهمة الاختلاس، بعد ذيوع صيته في ملاحقة الفساد المتجذر في روسيا تجذراً يصعب معه تمييز الحد الفاصل بين نشاطات الحكومة الروسية ونشاطات العصابات. ودق، أخيراً، المسؤولون عن الأمن في الاتحاد الأوروبي، ناقوس الخطر، وحذروا من أن العصابات تتوسل ظروف الأزمة المالية لإحكام القبضة على السوق السوداء وترويج السلع المزورة. وأذرع العصابات أخطبوطية. فهي ضالعة بكل شيء من صيد الحيوانات في طور الانقراض إلى تزوير الأدوية والسلع. وهيمنة الإنترنت على الاقتصاد الشامل تفاقم المخاوف من بروز قوة الجريمة السيبرنيطيقية المنظمة. فالمجرمون يقتنصون فرصاً يشرع أبوابها العالم المترابط. وشن الإنتربول أخيراً عملية كبيرة طوال شهرين لمكافحة التزوير، انتهت إلى اعتقال أكثر من 6 آلاف شخص في أصقاع العالم. وقيمة السلع المزورة بدءاً من الشامبو (سائل الاستحمام) في الصين إلى السجائر المقلدة في تركيا والشراب المزيف في تشيلي، بلغت عشرات الملايين من الدولارات. وكشف المحققون هذه الشبكة إثر تتبعهم نشاطات معمل سري في أوكرانيا لتصنيع السجائر المقلدة ومصنع في بيرو لتزوير ماركة محركات في الصين. وتزدهر العصابات الإجرامية في المناطق المضطربة. ففي الحرب الأهلية السورية، صارت عصابات وثيقة الصلة بالحكومة السورية، قوات «شبيحة» مسؤولة عن «أقذر» الجرائم في أرض المعارك. ولطالما كانت الصلة بين المتمردين وعصابات الجريمة المنظمة، وطيدة في الحروب الداخلية، كما يلاحظ آشر بيرمن الخبير في معهد دراسة الحرب. وغالباً ما يلجأ المتمردون إلى نشاطات غير مشروعة لحيازة أسلحة وجني أموال يحتاجونها لمواصلة القتال. والمعارضون في سورية هم في حاجة ماسة إلى سيولة. لذا، بدأوا أكثر فأكثر يتوسلون تكتيكات مافيوية من سرقة السيارات إلى سرقة الآثار. وثمة تقارير عن عمليات ابتزاز لا تشذ عن ظاهرة «ضريبة الثورة» الذائعة الصيت في مثل هذه الحروب. وتشير تقارير الى عمليات خطف لدواعٍ اقتصادية. وما يرصده مراقبون ليس غير رأس جبل الجليد. فالمجرمون يتجنبون الأضواء. لذا، يلف الغموض حجم مشكلة العصابات والمافيا. وعلاقات المصالح بين السياسيين والمجرمين، وبين هؤلاء والإرهابيين، قد تتقاطع وتتشابك. فعلى سبيل المثل، لا أحد يعلم ما إذا كان مسؤول الفاتيكان المعتقل في حزيران (يونيو) الماضي بتهمة تبييض أموال، شخصاً يسعى إلى الثراء فحسب، أم هو إحدى حلقات الفساد الراسخ في مؤسسات الفاتيكان المصرفية. وهل كشْفُ الشرطة في نيودلهي عن سوق سوداء لتجارة السلاح هو ضربة للإرهابيين أم لعصابات إجرامية؟ وماذا وراء استضافة الصين أبرز زعيم عصابة في تايوان طوال 17 عاماً قبل تسليمه مطلع الشهر الجاري إلى تايبيه؟ الجريمة المنظمة في العالم السيبرنيطيقي هي مشكلة بارزة في عالم اليوم، وثمة مؤشرات إلى أن زبائن القراصنة الرقميين هم في آن، الحكومات والعصابات. والنظام المالي العالمي ليس في منأى من هجمات هؤلاء، وفي مقدورهم زعزعة أركانه. ولا يخفى أن عصابات الجرائم المنظمة العالمية هي عدو للحكومات الديموقراطية، وهذه تتعثر حين تكثر الخيوط بين السياسيين وقوى العصابات. وترمي التظاهرات في بلغاريا إلى الاحتجاج على تعيين مليونير آتٍ من عالم العصابات على رأس الجهاز الأمني الرسمي. والخوف من تشابك عالم المافيا والعصابات بعالم السياسة لا يقتصر على أوروبا الشرقية. فالمتظاهرون في تركيا والبرازيل يشعرون بالقلق من المخالفات الحكومية وسوء الإدارة وما يترتب عليها من ضعف الاحتكام إلى معايير الشفافية. وقلقهم في محله. * صحافي، عن «فورين بوليسي» الاميركية، 19/7/2013، اعداد منال نحاس