يتحدّث المخرج المسرحي العراقي ومدير مسرح بابل في بيروت جواد الأسدي بمرارة، وكأن الحزن على صديقه نضال سيجري أعجزه عن الكلام، فهما عملا معاً في أروع عرضين قدمهما سيجري على الخشبة: «حمام بغدادي» و «أرامل على البيسكلات». لكن الأسدي يحلو له البدء بالحديث عن الممثل البارع من الصعيد الإنساني، قائلاً: «أصنّفه من الاستثنائيين في علاقته مع الناس ومع الحياة. هو مخلص لعائلته وزوجته وأطفاله كما هو مخلص لمدينته ولبلاده وللتمارين المسرحية». ويؤكد أنه «كان يشيع البهجة والفرح ويُعطي المكان ألقاً وإحساساً مرهفاً بضحكة فيها كثير من التهكّم. كان يضع لمسته الكوميدية الساحرة على كل الأدوار مهما كانت سوداوية، كما كان يفعل تشارلي شابلن». ويروي الأسدي أن سيجري كان المعادل الثاني للسواد خلال التمرينات. ويضيف: «في مسرحية «حمام بغدادي» المثقلة بالمرارة والهمّ، كان يُضفي على الشخصية كثير من الإشارات والتفاصيل لإعطائها إحساساً عذباً مشحوناً بمرارة الضحك. كان يحوّل الأسود الى لون زهري». ويتابع: «من أجمل ما أتذكره عن نضال علاقته المتقدمة بالتمارين والبروفات التي كان يتعامل معها ومع الدور الذي يجسّده، كما لو أنها السعادة المطلقة في حياته. ولهذا تميّز في مجمل أدواره، خصوصاً في مسلسل «ضيعة ضايعة» حيث أزاح الستار عن شخصيات خارج التوقّع. أسميه الممثل الكشّاف والخلاق بكل ما للكلمة من معنى»، ففي مسرحية «أرامل على البيسكلات» لعب دور المرأة بقمة الإبداع والأنوثة إلى درجة يشعر المشاهد فيها بأنه خُلق امرأة ويتمتع بأنوثة تضاهي كل أنوثات النساء في العالم. «لقد نبش دور الأنوثة من أعماقها واستطاع في ذلك أن يُضاهي زميلتيه في المسرحية كارول عبود وندين جمعة بأنوثتهما الحاضرة دوماً» كما يقول الأسدي، الذي يعتبر أن «تميّز الكوميدي الراحل ناتج عن إيمانه المطلق بالتمثيل وانتمائه إليه إلى درجة التماهي مع الدور الذي يلعبه حيث لا يمكن للمشاهد التفريق بين نضال والأدوار التي يلعبها». ويؤكد الأسدي هنا: «في مسرحية «حمام بغدادي» شعرت فعلاً بأنه تماهى مع دور سائق الشاحنة ومع الهمّ والوجع العراقيين، شعرت بأنه عراقي أباً عن جدّ. كان يضيف من ذاته إشارات ونكهات خاصة به ومبتكرة... وحقاً هذا هو المسرح، أن يذهب الممثل إلى العمق والى الرهافة والحساسية المطلقة». يتنهّد المخرج العراقي ثم يتابع: «إنها خسارة أن يذهب فنان مبدع في هذا الوقت بالتحديد وفي عزّ عطائه». ولا ينسى الأسدي كيف كان نضال سيجري «يقدّم في كل عرض من مسرحياته ومسلسلاته عرضاً متجدّداً حاراً، وكيف كان يصغي للجمهور في المسرح بطريقة ذكية ويلعب معهم أثناء العرض». وأخيراً دعا الأسدي محبي نضال سيجري إلى احتفالية خاصة به قريباً في مسرح بابل في بيروت، حيث ستعرض مسرحية «حمام بغدادي» على الشاشة بحضور أصدقاء الراحل وزملائه.