السعوديون محظوظون جداً ولا أحد يضاهيهم في الرفاهية التي يعيشونها، تصور أن يعمل وافد لكل ثلاثة سعوديين لخدمته، سواء كان يسير في الشارع أو يتجول في السوق، ومن خلال المؤسسات والشركات أو في المحال التجارية، وهذا ليس كلاماً مبالغاً فيه أو من باب الترفيه، إنما من واقع حقائق وأرقام، فحسب تصريحات المسؤولين في وزارة العمل هناك سبعة ملايين و500 ألف وافد حالياً موجودون في السعودية، مقيمون بطريقة رسمية، وحتى نهاية الفترة الأولى من المهلة أتمت وزارة العمل والجوازات تصحيح أوضاع أكثر من ثلاثة ملايين وافد، وخلال مرحلة التمديد الجديدة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لا أستبعد أن يصل إجمالي من يتم التصحيح لهم إلى ستة ملايين وافد، وقتها سيكون وافد لكل «اثنين» من السعوديين، وأعتقد أن هذه الميزة لا تتوفر للكثير من المواطنين سوى لمواطني الإمارات وقطر والكويت، إذ يتجاوز عدد الوافدين السكان المحليين. الحديث ليس عدد الوافدين الذين تم تصحيح أوضاعهم، إنما هل بالفعل نحن بحاجة إلى تصحيح كل من يتقدم بأوراقه، أو أن هناك استخداماً مفرطاً للمهلة، بصرف النظر إن كانت بالفعل هناك وظيفة أم لا، فوزارة العمل تتحدث أنها استطاعت أن توفر 600 ألف وظيفة خلال 90 يوماً، والحقيقة لا يمكن أن نذكر الأرقام هكذا من دون قرائن، هل تريد الوزارة أن تثبت لنا أن مهلة التصحيح أوجدت وظائف للسعوديين، وما هي هذه الوظائف، إذا ما علمنا أن معظم من تقدموا لتصحيح أوضاعهم هم من العمالة المهنية وعمالة الشوارع والوظائف المتدنية الرواتب التي هي أصلاً يعمل عليها وافدون، فكيف تقول وزارة العمل إنها خلقت فرص عمل، فيما أنهت تصحيح أكثر من ثلاثة ملايين وافد، في الواقع هناك استخدام مفرط للمهلة، وأن وزارة العمل والجوازات تعاملت مع المهلة في منح كل من هب ودب الإقامة وتصحيح وضعه، وليس بما يتناسب مع حاجة السوق ومتطلبات العمل، وأيضاً الأرقام الفعلية للمؤسسات والشركات العاملة، مع حجم المشاريع. كنت أتمنى مع منح مهلتي التصحيح الأولى والثانية أن يتم مراجعة حاجة السوق للعمالة الوافدة، ومدى استيعابها، وليس فتح الباب على مصراعيه حتى يتحول لشارع مزدحم بالعمالة الرسمية، فالغاية من التمديد والمهلة هي ايجاد فرص عمل أيضاً لهم مع تصحيح الأوضاع، أما إذا كان الأمر فقط تصحيح الأوضاع، فهذا يعني أننا سنعيش في المستقبل مشكلة أخرى وهي عمالة عاطلة عن العمل مقيمة بطريقة نظامية، خصوصاً أن وزارة العمل قدمت الكثير من التسهيلات والتنازلات من أجل تغيير المهنة أو نقل الكفالة وغيرهما من الإجراءات. في التصريح الأخير لنائب وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني، أن الفترة الجديدة في المهلة التصحيحية تشمل جميع الاستثناءات والتسهيلات المعلنة سابقاً مع تعديلات إضافية تسهم في تحسين بيئة العمل، وطالب الجميع الاستفادة من الإعفاءات والتسهيلات الخاصة بالحملة التصحيحية، أما بالنسبة للكيانات الخضر الصغيرة جداً التي يبلغ عدد عمالتها تسعة فأقل، التي وظفت سعودياً واحداً على الأقل، سواء كان صاحب العمل نفسه أو قامت بتوظيف سعودي آخر بأجر لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال، فقد كانت مقيدة في التنظيم السابق بألا يتجاوز عدد عامليها تسعة في حال نقل خدمات عمالة وافدة إليها، أما الآن وخلال فترة تمديد المهلة التصحيحية فيمكن للكيانات الصغيرة جداً نقل أربعة عمال وافدين كحد أقصى حتى وإن تجاوز عدد عامليها تسعة... نعم نحن مع المهلة والتصحيح إنما لسنا مع التنازلات الكبيرة التي تقدمها وزارة العمل من أجل تصحيح الوضع وليس تحسين بيئة العمل. بعد كل هذه المهلة والتنازلات والتسهيلات وفترة سبعة أشهر، هل تضمن لنا وزارة العمل والجوازات أنها سوف تستطيع ضبط السوق والتجاوزات، بحيث لا تتكرر، أم أن حال التصحيح تأتي كل 15 عاماً، كما حدث من قبل، وبعدها يضع المسؤولون رأسهم على مخدة كبيرة ليناموا ومن ثم يستيقظوا حينما يعج الشارع بالفوضى والمشكلات نتيجة الإهمال وعدم الانضباط في المراقبة. نقطة مهمة يجب أن تلتفت إليها الجهات الرقابية، خصوصاً مجلس الشورى، وهو الاستفادة من المبالغ التي دخلت في صندوق وزارة العمل والجوازات والمؤسسات الحكومية الأخرى التي ربحت مبالغ كبيرة خلال مهلة التصحيح، بأن تحول هذه المبالغ إلى صناديق المشاريع الصغيرة وريادة الأعمال وأيضاً لبرامج التدريب للسعوديين، وأرجو ألا تذهب هذه المبالغ إلى برامج «حافز» للباحثين عن العمل، فهي من دون نتيجة، بينما صناديق التمويل لمشاريع الشباب سوف تسهم في حركة تدوير المال وأيضاً خلق فرص عمل، وألا تكتفي هذه الإدارات بجمع الأموال، بقدر ما يهمنا أن تعد فرقاً ميدانية ولديها أدوات الضبط والمتابعة، وليس حرجاً أن تسلم عمليات المراقبة لبرامج «السعودة» ومتابعة سوق العمل لشركات متخصصة، كما هو موجود في الكثير من الدول، بحيث تكون بطريقة عادلة وتُعطى الفرصة لأكثر من شركة، فموظفو الجوازات والعمل، وبمرتباتهم القليلة وإمكاناتهم البسيطة، لن يتمكنوا من أداء مهماتهم على أكمل وجه، كما أن إتاحة الفرصة أمام شركات عدة للمنافسة سوف يسهم في ضبط المراقبة والمنافسة، على أن يكون دور المؤسسات الحكومية إشرافياً. * صحافي وكاتب اقتصادي. [email protected] jbanoon@