كشفت مصادر ديبلوماسية غربية ل «الحياة» تفاصيل خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الرامية إلى إعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، موضحة أن الخطة تتضمن تجميد البناء في المستوطنات الواقعة في قلب الضفة الغربية خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، وإطلاق جميع الأسرى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993، وعددهم 103 أسرى، على مراحل خلال ستة أشهر، وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية على ثلاث مراحل. وقالت المصادر إن خطة كيري تقوم على إعادة إطلاق المفاوضات المباشرة بين الجانبين لفترة من الوقت تتراوح بين 6-9 أشهر يجري خلالها التفاوض على قضايا الحل النهائي. وأضافت: «ستترافق المفاوضات حسب الخطة مع قيام إسرائيل بتجميد غير معلن للبناء في المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية، والبدء بإطلاق الأسرى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993، على أن يجري إطلاقهم جميعاً خلال ستة أشهر، والشروع في خطة للتنمية الاقتصادية على ثلاث مراحل تتضمن جذب استثمارات للاقتصاد الفلسطيني بقيمة أربعة بلايين دولار، وسماح إسرائيل للفلسطينيين بإقامة مشاريع في المنطقة (ج) الواقعة تحت الإدارة الأمنية والمدنية الإسرائيلية». كما تتضمن الخطة إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أنه سيتفاوض مع الفلسطينيين على أساس خطاب الرئيس باراك أوباما الذي ألقاه في أيار (مايو) عام 2005. وكان الرئيس أوباما طالب في الخطاب المذكور بإقامة دولة فلسطينية على حدود حزيران (يونيو) عام 1967، تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل، مع تبادل أراض يراعي التغيرات التي نشأت في هذه الأراضي خلال العقود الماضية، والاعتراف بيهودية دولة إسرائيل. وتتضمن الخطة الاقتصادية إقامة مشاريع عاجلة يحددها الفلسطينيون، وأخرى متوسطة المدى، وثالثة بعيدة المدى. وتشمل هذه المشاريع الضفة الغربية، بما فيها المنطقة (ج) وقطاع غزة. وأعرب الرئيس محمود عباس عن تفاؤله بإمكان العودة إلى المفاوضات بناء على الاقتراحات الأميركية التي وصفها في مؤتمر صحافي أخيراً في مقر الرئاسة في رام الله ب «المفيدة» و «البناءة»، من دون أن يحدد ماهيتها. وقال: «متفائلون لأن كيري جاد ومصمم على الوصول إلى حل، ونأمل في أن يأتي الوقت القريب جداً للعودة إلى طاولة المفاوضات وتناول القضايا الأساسية بيننا». وأضاف: «قدم كيري طروحات مفيدة وليست سيئة، وطروحات بناءة، لكن تحتاج إلى مزيد من التوضيح والتفسير حتى نتمكن من العودة إلى المفاوضات». ومن المقرر أن يعود كيري إلى البلاد مطلع الأسبوع، لكن عدداً من أعضاء فريقه يواصل عقد اجتماعات مع فريق فلسطيني لبحث تعديل الخطة، وفي هذا الإطار جرت في الأيام الأخيرة سلسلة لقاءات بين الطرفين في رام اللهوالقدس. وقال مسؤولون فلسطينيون إنهم يطالبون بأن يشمل تجميد البناء جميع المستوطنات، بما فيها الكتل الاستيطانية، وإطلاق جميع الأسرى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو دفعة واحدة. وقال مسؤول رفيع فضل عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع: «لدينا تجربة مريرة مع نتانياهو، فهو قد يطلق دفعة واحدة من الأسرى، ثم يماطل ليطيل أمد المفاوضات إلى أطول فترة ممكنة، لذلك نريد أن يجري إطلاقهم دفعة واحدة». وفي شأن تجميد البناء في المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية، قال: «إسرائيل تعتبر معظم المستوطنات كتلاً استيطانية، فهي تعتبر مستوطنة آرئيل جنوب نابلس كتلة، ومستوطنة معالية ادوميم شرق القدس كتلة، وهذه مستوطنات تقع في قلب الضفة، لذلك نطالب بتجميد كامل للبناء في المستوطنات، على الأقل أثناء فترة المفاوضات». وينقسم المسؤولون الفلسطينيون بين مؤيد للعودة إلى المفاوضات ومعارض له. ويرى المؤيدون للعودة إلى المفاوضات أنها تتيح للفلسطينيين إطلاق جميع أسرى ما قبل أوسلو الذين أمضوا بين 20-32 عاماً في السجون، وهو ما يعتبرونه نصراً كبيراً في مقابل الثمن الذي سيجري دفعه، وهو التفاوض لفترة تتراوح بين 6-9 أشهر. ويعتبر هذا الفريق أن المفاوضات ستتيح للسلطة مواجهة مشكلاتها المالية والاقتصادية المتفاقمة المتمثلة في العجز الكبير في موازنتها (40 في المئة) وارتفاع معدلات البطالة (23 في المئة)، وعدم القدرة على توسيع الاستثمار في المنطقة (ج) التي تمثل 60 في المئة من مساحة الضفة بسبب القيود الإسرائيلية. ويعتبر هذا الفريق أن المغامرة برفض الخطة الأميركية ستستدرج قيوداً أميركية وربما عقوبات إسرائيلية على السلطة التي تعاني من ضعف مالي واقتصادي وسياسي. ويرى أصحاب هذا الفريق أيضا أن القيادة الفلسطينية لا تملك في المرحلة الراهنة بديلاً أفضل من العودة إلى المفاوضات، وتحقيق هذه الإنجازات العملية، على رغم إقرارهم بأن المفاوضات مع نتانياهو وحكومته لن تؤدي إلى التوصل إلى حل نهائي مقبول للفلسطينيين. ويضيفون إن عدم العودة إلى المفاوضات ربما يقود إلى حدوث انفجار يؤدي إلى انهيار البنى التي أعادت السلطة إقامتها بعد الانتفاضة الثانية. لكن فريقاً آخر يرى أن خطة كيري ليست جديدة، وأنها ليست سوى إعادة تغليف للأفكار الإسرائيلية والأميركية القديمة في شأن إعادة إطلاق المفاوضات. وقال مسؤول رفيع: «البديل هو التوجه إلى الأممالمتحدة، ومواجهة إسرائيل في المحافل الدولية». وأضاف: «إسرائيل ترتكب يومياً جرائم حرب في أراضي دولة فلسطين، مثل الاستيطان وهدم البيوت، وعلينا التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية ومقاضاة الإسرائيليين على جرائم الحرب التي يرتكبونها ضد دولة تحمل صفة مراقب في الأممالمتحدة». لكن الفريق الأول يقول إن إمكان الحصول على عضوية محكمة الجنايات الدولية بالغ التعقيد، وأنه لن يتاح بسهولة، وربنا لن يتاح أبداً. ويؤكد الفريقان أن الكلمة الأخيرة في العودة إلى المفاوضات أو عدمها هي للرئيس عباس الذي أظهر في الأيام الأخيرة العديد من الإشارات الإيجابية في شأن إمكان العودة إلى المفاوضات، منها إعادة تشكيل الوفد التفاوضي الذي بدأ الاستعداد لإمكان العودة إلى المفاوضات. ويضم الفريق كلاً من الدكتور صائب عريقات رئيساً، وعضوية الدكتور محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، واللواء ماجد فرج مدير المخابرات العامة. ويتوقع الكثير من المراقبين والمسؤولين أن يحسم عباس أمره ويعود إلى المفاوضات في حال وافقت إسرائيل على إطلاق جميع الأسرى ال 103 دفعة واحدة فور بدء المفاوضات، ذلك أن إعادة هؤلاء الأسرى القدامي إلى بيوتهم سيعتبر إنجازاً كبيراً له أمام الجمهور الفلسطيني الذي يعتبر قضية الأسرى أولويته الأولى. وكان الرئيس عباس اشترط العودة إلى المفاوضات بالوقف التام للبناء في المستوطنات، لكن فشل إدارة أوباما في ولايته الأولى والثانية في حمل إسرائيل على تنفيذ ذلك ربما يجعله يقبل التجميد الجزئي، خصوصاً أن المفاوضات ستكون محدودة وليست مفتوحة. غير أن المسؤولين الفلسطينيين يؤكدون أن كلمة عباس الأخيرة ستعتمد على نتائج اللقاءات الجارية مع فريق كيري.