تُعطي منظمة «فيمن» النسوية العالمية انطباعاً بأن «من الطبيعي» أن تتمكن المرأة من التعبير عن حريتها الشخصية بنزع ملابسها والسير شبه عارية. فعلت ناشطات المنظمة ذلك في دول غربية عدة، في بداية الأمر، قبل أن تحاول مد نشاطها أخيراً إلى دول عربية، كالمغرب وتونس ومصر. قالت الناشطات اللواتي أطلقن على أنفسهن لقب «المتطرفات جنسياً»، إنهن يتحركن من منطلق أن أجسادهن «ملكهن» هن فقط ويجب ألا تشكّل (الأجساد) مصدر «عيب» لأي شخص آخر! يلقى تصرف ناشطات «فيمن» استغراباً لدى شرائح مختلفة حتى في الدول الغربية، خصوصاً عندما يكون استفزازياً (التعري في أماكن عبادة دينية). لكن الاستغراب يتحوّل إلى اشمئزاز في دول عربية، خصوصاً ضمن الفئات المحافظة التي تعتبر تصرف فتيات «فيمن» دليلاً على الانحلال الأخلاقي الذي يعم الدول الغربية. قد لا يكون هذا المعيار - للانحلال الأخلاقي - صحيحاً تماماً بالنسبة إلى كثيرين في الغرب، لكن اللافت أن دولاً غربية تُعد متحررة جنسياً تشهد منذ فترة حملات مضادة للتعري باعتباره أمراً يسيء إلى المرأة أكثر مما يعبّر عن حريتها. ولعل أبرز هذه الحملات تلك التي تستهدف صحيفة «صن» الشعبية البريطانية الواسعة الانتشار التي تشتهر بعرض صورة ضخمة ملونة لفتاة عارية جزئياً، يومياً على صدر صفحتها الثالثة. ودرجت الصحيفة منذ عقود على هذه العادة، إذ تنشر كل يوم صورة فتاة مختلفة في مقتبل ربيع العمر تكشف عن جسدها، في مقابل أجر مادي بسيط. ارتفعت نسبة مبيعات «صن» ارتفاعاً كبيراً (تبيع حالياً 2.5 مليوني نسخة يومياً)، وهو ارتفاع ربطه كثيرون - بما في ذلك مسؤولو الصحيفة ذاتها - بنشرها صور ما بات يُعرف ب «فتيات الصفحة الثالثة». لكن الصفحة الثالثة باتت الآن مشكلة في نظر كثيرين. فبعدما كانت رمزاً لما يعتبره بعضهم حق النساء في التحرر، باتت اليوم في نظر شريحة أخرى تمثّل خطراً على الأجيال الشابة لأن ملايين القراء صاروا اليوم يعتبرون أنه «شيء طبيعي» أن تعرض النساء أجسادهن العارية على صفحات الجرائد. لوسي هولمز واحدة من النساء اللواتي يرفضن تحويل «صن» جنسهن سلعة يومية تهدف إلى زيادة مبيعاتها. حوّلت رفضها هذا حملة واسعة تجمع توقيعات المواطنين للضغط على أصحاب «الصن» - روبرت ميردوخ - لحذف «الصفحة الثالثة» من يوميتهم. «كفى» («إيناف إز إيناف»)، كما كتبت في عريضة جمع التوقيعات وُجهت إلى رئيس تحرير «صن» دومينيك موهان. تضمنت العريضة الآتي: «إننا نطلب من دومينيك موهان التخلي عن الصدور العارية في جريدة صن. نطلب ذلك بلطف. رجاء يا دومينيك. لا مزيد من الصفحة الثالثة. جورج ألاغايا (مقدم نشرة الأخبار في تلفزيون «بي بي سي») لا يقول: والآن لننظر إلى صدر كورتني، 21 سنة، من (مدينة) وورثنغتون، في منتصف نشرة أخبار الساعة السادسة. هل يقول ذلك يا دومينيك؟ فيليب وهولي (مذيعان مشهوران في محطة «آي تي في») لا يعرضان في برنامج «هذا الصباح» صور داني، 19 سنة، من بليموث، وهي ترتدي (فقط) ثيابها الداخلية وقلادة في عنقها. هل يفعلان ذلك يا دومينيك؟ لا، لا يفعلون ذلك. لو فعلوا ذلك لقامت الضجة ضدهم. وأنت أيضاً يجب ألا تعرض صدوراً عارية لشابات صغيرات في صحيفتك «العائلية» المقروءة على نطاق واسع. اعتبر هذه (الحملة) صرخة كان يجب أن تُطلق منذ زمن طويل. أوقف، يا دومينيك، نشر صور الشابات العاريات الصدر في أوسع صحف بريطانيا انتشاراً، وأوقف عادة جعل قرائك ينظرون إلى النساء بوصفهن غاية جنسية. كفى. وشكراً». لم يستجب دومينيك بالطبع لهذا الرجاء، وجرى تغييره كرئيس تحرير ل «الصن» قبل أيام قليلة ليحل محله زميله ديفيد دينسمور الذي لا يبدو بدوره ميالاً إلى فكرة التخلي عن الصفحة الثالثة. فهو يعرف بلا شك أنها مصدر مهم لزيادة المبيعات. ففي مقابلة صحافية بعد تعيينه في منصبه، قال دينسمور صراحة: «إننا نعرف» أن نشر صور فتيات عاريات على الصفحة الثالثة يمثّل «طريقة جيدة لبيع الجرائد»، في تعليق له دفاعاً - كما يبدو - عن قرار صحيفة «ذا تايمز» (الشقيقة الكبرى ل «صن») نشر لوحة (رسم وليس صورة) لفتاة يابانية عارية جزئياً تعرض حالياً في إطار معرض يستضيفه المتحف البريطاني. بل أن دينسمور كان صريحاً أكثر لجهة تمسكه بالصفحة الثالثة، إذ قال: «الصفحة الثالثة باقية. أجرينا استطلاعاً العام الماضي ووجدنا أن ثلثي قرائنا يريدون إبقاء الصفحة الثالثة. ما ستجدونه هو أن الناس المعارضين للصفحة الثالثة لم يقرأوا يوماً «صن» ولن يقرأوها أبداً». لكن جين مارتينسون، الكاتبة في «غارديان» اليسارية، تلاحظ أن الاستطلاع الذي يتحدث عنه دينسمور لا يعني بالضرورة أن قراء «صن» سيتوقفون عن شرائها إذا ما حذفت صور الفتيات من صفحتها الثالثة. إذ تلفت إلى أن الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «يوغوف» المرموقة لم يسأل قراء «صن» عن موقفهم من شراء الصحيفة إذا كانت خالية من الصفحة الثالثة، كما أن نسبة ال61 في المئة من القراء الذين أيدوا بقاء هذه الصفحة قابلتهم نسبة 24 في المئة (ربع القراء) ممن قالوا إنهم يريدونها أن تُحذف (وصلت هذه النسبة إلى 49 في المئة من القراء «البالغين» الذين أيدوا حذف الصفحة في مقابل 30 في المئة أرادوها أن تبقى). وهكذا، يبدو أن «صن» لن تحذف صفحتها الثالثة، على الأرجح، صفحة تزيد من أرقام مبيعاتها. لكن حملة لوسي هولمز - التي ما زالت في بداياتها - يمكنها أن تدفع أصحاب الصحيفة إلى مراجعة قرارهم مستقبلاً، خصوصاً إذا ما نجحت في جمع العدد المطلوب من التوقيعات: 107 آلاف مؤيد للحملة حتى الآن، لكن الرقم المطلوب هو مليون توقيع - أي أن هناك عجزاً قدره 892 ألفاً!