أثارت المحاولة الإجرامية الشنيعة التي استهدفت اغتيال الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، كثيراً من الأسئلة حول الإرهاب ومصادره وأسبابه ودواعيه وأهدافه ومراميه وتداخل الأطراف الواقفة وراءه، أو الداعمة له، أو الساكتة عنه. وهي الأسئلة التي تطرح كلما ضرب الإرهاب وسقط ضحايا أبرياء من جراء العمليات الإجرامية التي يرتكبها الإرهابيون على تنوع أشكالهم واختلاف أساليبهم، من دون أن يتم استيفاء هذا الموضوع حقه من البحث والدرس والتحليل، على نحو يزيل الالتباس ويكشف الغموض ويجيب عن الأسئلة المطروحة. أذكر أنني ومنذ سنوات قريبة، دعوت من فوق منبر المؤتمر العام لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في باريس، المجتمعَ الدوليَّ لعقد مؤتمر تحت إشراف اليونسكو، للبحث عن قضايا الإرهاب من أجل الوصول إلى تحديد منهجي لمفهوم الإرهاب ولدلالاته. وقد أبديت في كلمتي التي خاطبت فيها أعضاء المؤتمر العام لليونسكو، وهم وزراء التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي في دول العالم، استعدادنا في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) للتعاون مع اليونسكو في عقد هذا المؤتمر. وكنت أستند في اتخاذ هذا الموقف، إلى الهدف (ب) من ميثاق الإيسيسكو الذي ينص على (تدعيم التفاهم بين الشعوب في الدول الأعضاء وخارجها والمساهمة في إقرار السلم والأمن في العالم بشتى الوسائل، لا سيما من طريق التربية والعلوم والثقافة والاتصال). ولكن هذا المؤتمر لم يُعقد، لاعتذار اليونسكو عن المشاركة في عقده. ولكنني لم أفقد الأمل في عقد مؤتمر دولي يدرس هذه الظاهرة الخطيرة، فأجريت اتصالات مع منظمة الأممالمتحدة أثمرت الاتفاق على عقد مؤتمر دولي في تونس تحت عنوان: «الإرهاب: أبعاده وآفاق مخاطره وآليات معالجته» في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، بالتعاون بين الإيسيسكو والأممالمتحدة والحكومة التونسية، تحت رعاية الرئيس التونسي السيد زين العابدين بن عليّ، حضره الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون وعدد كبير من المسؤولين الدوليين والباحثين المختصين، نجح في تحقيق الأهداف المتوخاة منه. وقد كان من النتائج المهمة التي خرج بها هذا المؤتمر، وثيقة تحمل عنوان: «بيان تونس»، تشدد على أن مكافحة الإرهاب يجب أن تتم في إطار احترام العهود الدولية والقانون الإنساني الدولي، وتحمّل كل المؤسسات الدولية بما فيها المنظمات الإقليمية والوكالات المتخصصة في منظومة الأممالمتحدة، مسؤولية الاضطلاع بمهماتها بما يساهم في تعزيز الجهود الرامية إلى القضاء على الإرهاب ومعالجة الظروف المساعدة على تفشيه. ولكن مؤتمر تونس حول الإرهاب، على رغم نجاحه الذي شهد به الجميع، وأشادت به الأممالمتحدة، فإن النتائج الصادرة عنه تظل مجرد إطار نظري متكامل يحتاج إلى التنفيذ. وهو الأمر الذي يطرح بقوة، دورَ التعاون الدولي الفاعل والمؤثر في التصدّي لظاهرة الإرهاب. والواقع أن تعزيز تعاون المجتمع الدولي، بحكوماته ومنظماته ووكالاته ومؤسساته، في عمل مشترك لمحاربة كل أنواع الإرهاب، هو الخطوة الأولى الضرورية نحو حصار ظاهرة الإرهاب في أضيق الحدود، تمهيداً للقضاء عليها من الأساس. ولكن هذه الخطوة ينبغي، بل يجب أن تسبقها خطوات أخرى أراها أشدّ ضرورة، وأقصد بذلك قيام القيادات الدينية والإعلامية والفكرية والثقافية بالواجب الملقى على عاتقها، في المحاربة الفكرية للإرهاب، بالمنهج الحكيم وبالأساليب النافعة المجدية. ومما يعزز هذا المطلب، أن الظاهرة المثيرة - والمخيفة أيضاً - أن غالبية من يتورط في ارتكاب جرائم الإرهاب من أبناء المجتمعات الإسلامية، هم من ذوي الفكر الضال المنحرف المتدثر بعباءة الإسلام، والإسلام منهم براء. وكما نعرف من علوم الاجتماع والاجتماع السياسي، فإن الفكر لا يواجه إلا بالفكر. والمقاومة الفكرية في حالة الإرهاب، ضرورة حياتية وواجب شرعي ومسؤولية مدنية. كما أن استخدام أقسى العقوبات الرادعة أمرٌ ضروري للحفاظ على حياة الناس وممتلكاتهم، وحماية أمن الأوطان واستقرارها. إنَّ من يتعاطى الإرهاب ويسعى فساداً في الأرض هو مجرم يستحق أقسى العقاب، فهو ليس شخصاً ضالاً فحسب، ولكنه إنسان مجرم متورط في ارتكاب الجريمة ويتحمل مسؤولية الفعل الإجرامي الذي اقترفه. فالضلال انحراف فكري عن الصراط المستقيم، وإذا تحول إلى ممارسة الإجرام، أصبح عملاً عدوانياً ضاراً يجب ردعه. ولذلك، فإنَّ التعامل مع ظاهرة الإرهاب لا يجدي على النحو المطلوب والمرغوب فيه، ما لم ينطلق من القواعد المتبعة في التعامل مع الجرائم المرتكبة في حق المجتمع. ولعل هذا ما يستدعي إعادة النظر في الخطة المعتمدة، أو المنهج المتبع لمحاربة الإرهاب الذي يضرب هنا وهناك والذي لا يدري أحد إلى أين سينتهي. الغريب في هذه المسألة، أن عدداً من القيادات الدينية في العالم الإسلامي، لا تتحرك فتتخذ الموقف المطلوب منها إزاء الجرائم الإرهابية التي ترتكب ويسقط ضحيتها مسلمون أبرياء ومن غير المسلمين أيضاً، فهي تلوذ بالصمت. وهو صمتٌ، غير مبرر، ولا يجوز أن يُعذر صاحبه، مهما كان موقعه. كذلك، فإن الكثير من النخب الفكرية والثقافية والإعلامية - وما أكثرها - لا تتحرك هي الأخرى، ولا تبادر إلى اتخاذ المبادرات التي يقتضيها رفضها للإرهاب ومحاربتها للتطرف والعنف. هؤلاء الصامتون، الذين يملكون سلاح الردّ الفكري والمقاومة الثقافية والتصدّي الإعلامي، لا يقبل منهم هذا الموقف، بأي حال من الأحوال، إذ لا بد من أن يدينوا الإرهاب بصورة واضحة، ويفضحوا الإرهابيين من دون مواربة. ولم يعد خافياً أن استهداف المملكة العربية السعودية بالعمليات الإرهابية الإجرامية هو أمر مقصود تقف وراءه جهات يزعجها ما تقوم به هذه الدولة العربية الإسلامية الكبيرة من أعمالٍ جليلة لخدمة الإسلام ونصرة قضايا المسلمين، وحرصٍ على الحوار والتعايش مع الأمم الأخرى في إطار المشترك الإنساني، ودعم للجهود الخيّرة الرامية إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين. ومهما يكن من أمر، فإن الإرهاب الموجه نحو المملكة العربية السعودية، سيرتدّ إلى نحور الإرهابيين المجرمين، طال الوقت أم قصر. ونحن إذ نهنئ القيادة السعودية، ونهنئ الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، بالسلامة والنجاة من هذه المحاولة الإجرامية الإرهابية الغادرة، نؤكد من منطلق الثقة واليقين، أن المملكة العربية السعودية ستفلح بإذن الله تعالى، في قطع دابر الإرهاب واجتثاث شأفته، وفضح من يقف وراءه، وستبقى مصدر عطاء متدفق، ومنارة إشعاع سمح ينفع الناس ويمكث في الأرض. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة