ينعم السعوديون هذا الأسبوع بتجربة أولى من نوعها في حياتهم عقب صدور القرار الملكي بزحزحة الإجازة الأسبوعية من يومي «الخميس والجمعة» إلى يومي «الجمعة والسبت»، الذي صوّت عليه مجلس الشورى «مشكوراً» ورفع به توصية. نظر فريق من الناس إلى هذا القرار بكثير من الريبة وعدم الارتياح، ومرد هذا الخوف والقلق بطبيعة الحال هواجس فطرية تتضمن كرهاً مطلقاً للتغيير من باب (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)، وآخرون استفزهم القرار بما هو أبعد من ذلك وكأن حدثاً كونياً هز الفضاء وأسقط نيزكاً نارياً سيغير ملامح الأرض، لذلك ولكي تستريح أفئدتهم خاضوا في الشريعة بحثاً عن استدلالات فقهية وتنقيباً حثيثاً في أقوال السلف ونقولات الخلف، مع أن الأمر في مندوحة ومتسع فما ورد فيه سوى نص واضح وصريح في سورة الجمعة وذلك في قوله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون). لو أردنا الأخذ بالحساسيات الشرعية لمسألة العطلة الأسبوعية على طريقة المتوجسين أنفسهم لقلنا إن الإجازة الأسبوعية محض بدعة لم يفعلها رسول الله «صلى الله عليه وسلم» ولا صحابته الكرام، وما أمر الناس إلا للتوقف عن العمل فقط لصلاة الجمعة، ونحن نعلم أن الإسلام يحث على العمل ويمقت التبطل، وعلى هذا تكون إجازة يومي الخميس والجمعة نوعاً من التبطل والدعة، ومن العجب أن بعض الناس يربط الإجازة بالصيام، وأن عمل يوم الخميس سيحرمهم من أداء هذه السُنة التي يقيمونها بدعة وكسل وتقلب في كنف الفرش الوثيرة. يبدو أننا تعودنا على عبادة سياحية من نوع خمس نجوم، نريد أن نؤديها بلا تعب أو نصب، ولعمري كيف تكون هذه العبادات التي لا تقضى إلا تحت ظروف رخية وناعمة بنوع من نفاق ظاهر، حتى لتفاجأ بأن بعضهم يحاول إظهار ذلك علناً، ولربما يعاتبك على تفريطك في صيام يومي الاثنين والخميس، لذلك فهؤلاء وأمثالهم لجوا واستلجوا لدن صدور القرار، على رغم أن الوظائف الحكومية تؤدى دائماً في مناخات وظروف ممتازة من حيث طبيعة العمل ومكانه، أما الشركات فقد لا يعنيها هذا القرار كثيراً ولم تكترث به، لأن إجازتها الأسبوعية مقصورة على يوم واحد هو يوم الجمعة أو يومين من أيام الأسبوع من دون تخصيص. يأتي السؤال لِم هذا الجزع؟ على رغم أن القرار الملكي الذي صدر مشفوعاً بمجموعة اعتبارات أهمها مواكبة الحراك العالمي اقتصادياً وسياسياً وإدارياً وتقليص الفارق الزمني الكبير الذي كان يقتص أربعة أيام من أيام الأسبوع بما يعادل ثلثي هذه الأيام، وهذا بدوره يُحدث ارتباكاً ملموساً وفجوة ظاهرة لا يمكن ردمها إلا باتخاذ قرار كهذا، قد يكون تأخر قليلاً ولكن الأهم أنه صدر، اسألوا كل الإدارات ذات العلاقة كالهيئات السياسية، وكذلك الشركات والمؤسسات الدولية والبنوك والمتاجر وما تعانيه في معاملاتها مع الدول الأخرى، ثم اسألوا الطلاب المبتعثين والديبلوماسيين عما يعانونه من صراع مرير مع الوقت، في إنجاز المعاملات، لذلك فالقرار ينظر بعين الاعتبار إلى كل هؤلاء، أما الذين أخذتهم حياة الدعة والاستقرار، البعيدون من كل ذلك، فقد يصدق عليهم المثل «الفاضي يعمل قاضي»، أما القلقون من خوض تجارب جديدة وحياة مختلفة لأسباب واهية مختلفة، فهؤلاء قد لا يدركون معنى سنة التبدل والتغير، وأن الأمور لن تستمر على مر الزمان هامدة، وحتى لو استنسخت الحياة نفسها فقد تثقل بنا ونثقل بها ما لم نعاجلها بحراك مختلف، ولا يقتصر هذا فقط على مجرد تغيير أيام العطلة الأسبوعية بل على كل جوانب الحياة وتفاصيلها، ما دامت لا تنتقض من عرى الدين التي لا يستقيم إلا بها من أركان وفروض وواجبات وما عدا ذلك فهو متروك لتبدل الأحوال الجالبة للضرورات. فنحن اليوم أمة تقبع تحت اختبارات عسيرة وصعبة جداً والزمن الذي نتباطأ في استثماره يبعدنا من الآخرين بآلاف الأميال، فنحن نرى اليوم شعوباً بدأت تستيقظ وتسترجع ذاتها وتعيد رسم خطوط حياتها، وتعيد تدوير شعوبها للوصول إلى حياة أفضل، لذلك اتخذت تدابير جذرية كثيرة، ولأن الناس استشعروا أهمية التغيير فلم يتوقفوا طويلاً عند بسائط الأمور وصغائر الهواجس والمخاوف، تلك التي تكشف عن سطحية مجتمعاتها وتقليديتها، فهذه الهند وبنغلاديش وباكستان، تشق طريقها نحو آفاق المستقبل بينما نحن مثقلون بمفاهيم وقيم صنعناها على مقاس عقولنا الخائفة والمرتبكة ونسبناها إلى ديننا الحنيف ذي الرؤية العالمية والأممية الواسعة، ما قيد حراكنا وحبسنا في زوايا ضيقة ليس للإبداع والتغيير فيها مجال، وإن حاول المبدعون والمتطلعون فستبوء كل محاولاتهم بفشل ذريع تحت طائلة المناهضين للتقدم المقيضين لأدواته. وما تبعات قرار زحزحة يومي الإجازة إلا مؤشر على عدم جاهزية مجتمعنا السعودي للانطلاق إلى آفاق المستقبل الذي سيتطلب معه قرارات أكثر انفتاحاً تلك التي ستكون صادمة للكثيرين، وربما تثور نفوس غير مطمئنة لكل جديد مستحدث، وعلى هذا الأساس سنحتاج أجيالاً مقبلة لقبول التغيير بشروطه الحتمية، ولكن سنكون حينها آخر الناهضين في سلم التقدم البعيد منا كل البعد. * كاتب سعودي. [email protected] @almoziani