يكاد المطرب اللبناني المعتزل فضل شاكر يؤكّد فكرة أنّ التحوّل الفكري المفاجئ يحمل في طياته، على الأغلب، بذور التطرف والتعصب وربما العنف. فالرشد والتعقّل مانعان لنوازع التحولات الدراماتيكية في أفكار الفرد وميوله ورغباته واهتماماته. يصعب تفسير التحولات والانزياحات التي تفاجئ الجميع، مثلما يصعب توقّع مآلاتها وتوابعها، لا سيما إنْ فاجأت أقرب المقربين من الأشخاص الذين يتحولون ويغيّرون من هويتهم وبنائهم الفكري أو أسس شخصيتهم. وإلى جانب الدور المحوري لمدى التحديق في الذات ونقدها والسعي الدائم لتجاوزها، وما يتطلبه ذلك من تراكم معرفي وتجارب وجهد مضنٍ ووقت ليس بالقصير، فإن تجارب الاغتراب والهجرة أو التعرّض للسجن أو لألم اجتماعي فادح أو حدوث الكوارث الاجتماعية والانقلابات السياسية أو التحولات الطبقية بفعل طفرة نفطية أو ثورة اجتماعية تعيد بناء الهيكل الاجتماعي في بلد ما... كل ذلك وغيره يعدّ موارد أساسية لحدوث انتقال للأفراد من سياق فكري أو ديني أو اجتماعي إلى سياق آخر، لكن أنْ يحدث الانتقال من دون ذلك كله أو من دون أن يأخذ وقتاً أو أن يحسّ به الآخرون، فهذا ما يستحق التأمل ويطرح من الأسئلة أكثر مما يمنح من الإجابات. اليوم نلاحظ كيف استثمر الشيخ السلفي الصيداوي أحمد الأسير في نجومية فضل شاكر، الذي صار واحداً من أبرز مريديه وأتباعه... ومقاتليه! الأسير، كان مفتقداً أيّ كاريزما عميقة، ومفتقراً، حتى، إلى جاذبيةٍ لا تغيب عادةً عن أصحاب المشاريع الرسالية والخلاصيين، لذا فهو في مواجهته المتشددة لعنف حزب الله وطائفيته وتدخله السافر في وليمة الذبح بحق السوريين، كان في حاجة إلى نجومية شاكر، لكنّ هذه النجومية، غير المستندة إلى أي عمق فكري، أو تجربة اجتماعية ناضجة، لم تمنحه القدرة على الإقناع في مواجهة المشروع الطائفي التفتيتي الذي يتبناه حزب الله، فبقي الأسير مشاغباً مبتدئاً، بل ساعدت أيديولوجياً حزب الله وآلته الإعلامية، في شكل غير مباشر، على مدى الأشهر الماضية، في النفخ فيه وتحويله إلى عدو ورمز سنيّ وأيقونة فظة مستهدفة، وذلك لإحداث المماهاة بينه وبين أقرانه ممن يزعم الحزب أنه ذهب لمقاتلتهم في سورية. هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فإن تعظيم الخصم وتضخيم دوره ضروري لتصوير هزيمته نصراً، لا سيما مع حزب لا يجد بأساً في تصوير مذابحه في القصير وغيرها وكأنها نصر يوازي انتصاره على إسرائيل! المأساة في سورية حادث مفجع من الطراز الأول يفجّر في طريقه كوامن العنف والتعصب المذهبي والطائفي في المنطقة، وهول المأساة السورية وقصة فضل شاكر، الذي تحوّل على وقعها من مطرب رومانسي إلى مطلوب للعدالة في لبنان ومفاخر (إنْ صحتْ مقاطع الفيديو التي نُسبت إليه) بالقتل... تقدّم عبرة ودرساً ونموذجاً لتلك الآثار والتحولات التي أصابت كثيرين بفقدان توازنهم النفسي والفكري فاستحالوا إلى مشاريع للتطرف والعنف والتعصّب المذهبي والطائفي والعربدة والطيش. فضل شاكر ربما يقدّم مثلاً آخر عن أن التسرّع في ملء فراغ الذات الروحي والفكري والتسرّع في استيراد المعاني والبحث عن الجدوى واجتراح طريق آخر... محاطٌ باحتمالات التحولات الخطرة المحفوفة بإمكانات وقوع التطرف والتشدد والتعصب والفعل الغوغائي العنيف. طائفية حزب الله ويده الطولى في وليمة القتل والترويع والذبح اليومي ضد أبناء الشعب السوري الطامح إلى التحرر والكرامة لا تبرران الدفاع عن الأسير أو عن فضل شاكر، كما لا تبرران قبول كلام الشيخ يوسف القرضاوي عن الشيعة والعلويين، فالذي يدافع عن حق السوريين في التحرر من نظام مستبد غاشم، ينبغي أن يدين، على المستوى ذاته، كل دعاة المذهبية أو الطائفية أو العنف من الشيعة والسنّة على حدّ سواء. والقضايا العادلة يضرّ بها المحامون الفاشلون، وعدالتها لا تجعلها في موقع من يمنح هؤلاء الطائفيين غير صفة الفشل... والإدانة العاجلة. * كاتب أردني