قال سكان ومسؤولون وتجار في قطاع النفط إن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) لا يزال يستخرج النفط في سورية ويقوم ببيعه وانه طوع أساليبه في تجارة النفط على رغم الضربات الجوية التي تنفذها قوات تقودها الولاياتالمتحدة منذ شهر بهدف القضاء على هذا المصدر الكبير للدخل للتنظيم. وعلى رغم أن الضربات التي تنفذها مقاتلات أميركية وعربية استهدفت بعض المصافي الموقتة التي يديرها سكان محليون في المناطق الشرقية التي تسيطر عليها «داعش» تفادت الآبار التي يسيطر عليها التنظيم. ويقوض هذا فعالية الحملة ويعني أن المتشددين لا يزالون قادرين على التربح من مبيعات النفط الخام بما يصل إلى مليوني دولار أميركي يومياً بحسب ما يفيد عاملون في مجال النفط في سورية ومسؤولون سابقون في قطاع النفط وخبراء في مجال الطاقة. وقال عبد الله الجدعان وهو شيخ عشيرة في الشحيل وهي بلدة سورية منتجة للنفط في محافظة دير الزور شمال شرقي سورية، إن التنظيم يبيع النفط «ويزيد عمليات التنقيب في آبار جديدة بفضل حلفاء من العشائر ويستغل عدم قدرة العدو على ضرب حقول النفط». ويقول محللون إن القوات التي تقودها الولاياتالمتحدة تريد تفادي ضرب المنشآت النفطية في شدة لأن هذا من شأنه أن يضر المدنيين أكثر من المتشددين وقد يؤدي إلى تطرف السكان المحليين. وهددت الولاياتالمتحدة الخميس بفرض عقوبات على أي شخص يشتري النفط من متشددي «داعش» في مسعى لتعطيل ما تقول انه مصدر تمويل قيمته مليون دولار يومياً. ويشتري معظم النفط تجار محليون ويلبي الاحتياجات المحلية للمناطق التي يسيطر عليها متشددون في شمال سورية، لكن بعض النفط المنخفض الجودة بعد تكريره بشكل بدائي يتم تهريبه لتركيا حيث يبلغ السعر حوالى 350 دولاراً للبرميل. وأدى ذلك إلى انتعاش تجارة مربحة عبر الحدود. وقال أندرو تابلر وهو باحث كبير في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»: «خياراتنا محدودة إلا إذا ضربت الآبار، لكن هذا لن يصيب الدولة الإسلامية فحسب بل سيصيب السكان بأكملهم وهذا ليس أمراً تقوم به الولاياتالمتحدة بسهولة». وأي تفجير لآبار النفط الرئيسية في سورية، يمكن أن يثير ذكريات حرب الخليج (1990-1991) عندما غزت قوات صدام حسين الكويت وحرقت آبار النفط قبل أن تصدها القوات التي تقودها الولاياتالمتحدة مما تسبب في أضرار فادحة في البنية الأساسية. وقال مسؤول أميركي قبل بداية حملة القصف بفترة قصيرة إن واشنطن تريد الحفاظ على أجزاء من البنية الأساسية النفطية السورية على أمل أن تستخدم بعد الحرب إذا هزم «داعش» وقوات الرئيس بشار الأسد. وتسببت غارة قادتها الولاياتالمتحدة في تدمير أجزاء من مصفاة متنقلة شرق سورية، لكنها لم تصب برجاً في المنشأة بأي ضرر. وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) الأدميرال جون كيربي خلال مؤتمر صحافي يوم 25 الشهر الماضي: «الأمر لا يتعلق بمحو المصافي من على الخريطة. لكن يتعلق بتقليص قدرة (الدولة الإسلامية) على استخدام هذه المصافي». وتابع: «نريد الحفاظ على مرونة هذه المصافي حتى تواصل المساهمة في اقتصاد مستقر فيما نأمل أن يكون بلداً مستقراً عندما لا يصبح نظام الأسد مسيطراً». وخلال الصيف كان التنظيم يضخ ما بين 40 ألفاً و 80 ألف برميل يومياً من النفط الخام من الآبار التي يسيطر عليها في محافظتي دير الزور والحسكة، بحسب ما تشير تقديرات خبراء النفط والتجار ومصادر محلية. وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير صدر هذا الشهر إن الإنتاج في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم تراجع إلى أقل من عشرة آلاف برميل نتيجة الغارات الجوية. لكن الأسعار المحلية لمنتجات البترول تشير إلى أن الضربات لم يكن لها تأثير كبير على إمدادات النفط غير المشروعة. ويبيع «داعش» برميل النفط بنحو 20 دولاراً بينما كان يباع بمبلغ 35 دولاراً في بداية 2014. ويقول تجار إن هذا بسبب وجود مخزونات كافية من النفط قبل الضربات ولأن التنظيم زاد إنتاجه في الأسابيع الأخيرة. قوافل خاصة على الطريق واصل رجال أعمال محليون إرسال قوافل تضم ما يصل إلى ثلاثين شاحنة تحمل النفط من الآبار التي يسيطر عليها «داعش» عبر مناطق يسيطر عليها المتشددون في سورية في وضح النهار من دون أن تستهدفهم الضربات الجوية. وسمح التنظيم للقوافل بالعبور بوتيرة أسرع عبر نقاط تفتيشه. وقال سائق شاحنات نفط ومتعامل محلي إن التنظيم شجع الزبائن على زيادة التحميل وعرض عليهم تخفيضات وتأجيل الدفع. كما أبلغت «إدارة النفط» التابعة للتنظيم التجار في الأسبوعين الأخيرين أن بإمكانهم تحميل ما يريدون ودعتهم لتخزين النفط وهو أمر يقول تجار إنه مؤشر على أن التنظيم لا يزال يعتقد أن بالإمكان ضرب الآبار. ويقول آخرون إن خطر الهجمات دفع التنظيم السني المتشدد لاستخدام الثروة النفطية في شكل أكثر فعالية لتوسيع قاعدة التأييد له بين العشائر. ووفقاً لسكان يعيشون في مناطق يسيطر عليها «الدولة الإسلامية» يستغل التنظيم سيطرته لتعزيز علاقاته بالعشائر المحلية وليس لتحقيق الربح فحسب كما كان الأمر في السابق. ويسمح التنظيم الآن لبعض العشائر البدوية في محافظة دير الزور باستغلال الآبار التي يسيطر عليها مثل بئر الملح والخراطة ووادي جريب وصفيح وفهدة وغيرها من الآبار المتوسطة والصغيرة التي لا تستخدم في منطقة جبل بشرى. وانتفعت تسع عشائر كبرى على الأقل بينها عشائر لأفرادها أقارب عبر الحدود في العراق مثل عشيرة الجبور القوية. وتدعم هذه العشائر إلى حد بعيد «داعش». وقال إبراهيم فتح الله وهو متعامل في مجال النفط يبيع المنتجات منخفضة الجودة للبلدات عبر المناطق التي يسيطر عليها المتشددون في شمال غربي سورية: «الطائرات الأميركية فوقنا ليلاً ونهاراً لكننا لم نعد نهتم. لن تكون أسوأ من براميل بشار المتفجرة». وتابع: «نحن الموجودون على الأرض ونعرف كيف نتحرك عبر أراضينا. لن يوقفونا عن السعي لجني المال لعائلاتنا ما لم يقصفونا حتى الموت». ويقول تجار إن شاحنة كبيرة تحمل 30 ألف ليتر من النفط الخام الذي يوفره التنظيم قد تحقق أرباحا قيمتها أربعة آلاف دولار في رحلة واحدة فقط تستغرق بضعة أيام. كما يقول تجار إن بإمكانهم زيادة الإيرادات بواقع المثلين بكبس 20 برميلاً على الأقل بقيمة 400 دولار على ظهر شاحنة من طراز كيا. وقال التاجر عبد الله الشيخ الذي استغل الأرباح من أسطوله المؤلف من سبع شاحنات لبناء مصافي متنقلة في بلدة منبج شمال حلب: «بالقصف أو من دونه.... فسنذهب هناك حتى لو جاءنا الموت لأن هذا يجلب لنا ربحاً كثيراً». المدنيون يعانون بينما حقق رجال أعمال محليون أرباحاً طائلة من تجارة النفط بشكل غير مشروع فإن الكثير من المدنيين الآخرين أصبحوا يعتمدون على السوق غير الرسمية التي نشأت منذ بداية الصراع في سورية قبل أكثر من ثلاثة أعوام. وأصبح ذلك مصدراً مهماً للدخل لمئات الآلاف من الأسر في المناطق الريفية في شمال وشرق سورية حيث تشرد الناس أو فقدوا وظائفهم. وقال ديبلوماسي غربي مطلع على الاستراتيجية الأميركية ضد «الدولة الإسلامية»»: «الأميركيون يعلمون أن هذه الآبار وفرت فرصة انتفاع للكثير من السوريين الذين ليست لهم صلات بالمتشددين». وأصابت الضربات الجوية التي تقودها الولاياتالمتحدة عشرات المصافي الموقتة التي بني معظمها حول الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم عبر الحدود مع تركيا. واستخدمت هذه المصافي للتهريب على رغم أن تجاراً يقولون إن تركيا شنت حملة ضد المهربين هذا العام. وتبنى هذه المصافي من قبل أصحاب أعمال خاصة بكلفة ما بين 150 ألفاً و250 ألف دولار وتصفي ما بين 150 و 300 برميل يومياً من الخام الذي يوفره التنظيم. ويقول تجار إن قصف هذه المصافي الأكبر ربما قلص القدرة على تصفية النفط بواقع ما بين 20 و 30 في المئة لكن من دون تأثير كبير على سوق الوقود المحلي حتى الآن. وتنتشر مئات المصافي الأصغر عبر مناطق واسعة من الأراضي التي يسيطر عليها المتشددون مما يجعل العثور عليها أمراً صعباً. ويقول خبراء وتجار إن هذه المصافي تواصل تصفية معظم النفط المستخرج. وتشمل هذه المصافي واحدة يديرها التاجر مازن مختار الذي قال إنها دمرت بفعل صاروخ أميركي من طراز توماهوك هذا الأسبوع في إصابة مباشرة الأمر الذي حول مدخرات أسرته إلى كومة من الحديد المهترئ والنفط المحترق. وكلفته المصفاة الصغيرة التي تستخدم أساليب الاستخلاص والتسخين نحو 20 ألف دولار لبنائها في أرض خراب على بعد عدة كيلومترات من منزله. ولم تصب الآبار التي يديرها «داعش» والتي تمده بالنفط بأي ضرر. وقال مختار (48 سنة): «لماذا يدمرون مصادر رزقنا؟ هل يريدون أن يلقوا بأطفالنا في الشوارع ليبدأوا التسول؟ من يشترون هذا النفط هم الفقراء الذين يستخدمونه لصنع الخبز وطهو وجباتهم لإطعام عائلاتهم. لماذا لا يلاحقون الإرهابي الحقيقي بشار وعصابته»؟