ظل الهاجس الأمني مسيطراً على المشهد اللبناني على رغم الهدوء الذي غلب أمس على المناطق التي كانت شهدت توترات متنقلة في الأسبوع المنصرم، واستنفرت كبار المسؤولين والأجهزة الأمنية والعسكرية للجم أي تدهور أو انفلات يقود الى الفوضى. ورمى الرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام أمس حجراً في مياه التشكيل الراكدة منذ أسابيع، معلناً بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال سليمان أنه بعدما أصبح التمديد للسلطة التشريعية سارياً لأن حاجات البلد لا تحتمل الفراغ فيها، فإن السلطة التنفيذية لا تحتمل بدورها الفراغ، مؤكداً تمسكه بصيغة 8+8+8 لتوزيع الوزراء على قوى 14 و8 آذار والوسطيين في حكومة من 24 وزيراً. وأكد سلام أنه سيتحرك في الأيام المقبلة لتأليف حكومة «المصلحة الوطنية». وإذ شكل انطلاق الامتحانات الرسمية للشهادة المدرسية للمرحلة المتوسطة أمس، اختباراً سعى جميع المعنيين الى إنجاحه، ما أدى الى تراجع موجة التشاؤم التي كادت تطغى بفعل الفلتان الأمني في بعض المناطق والذي استهدف في جزء منه الجيش اللبناني، فإن صورة انطلاق المهرجانات الفنية التقليدية والراقية عند كل أول صيف في لبنان، وفي مناطق عدة، كشف مدى رغبة اللبنانيين بمواصلة حياتهم اليومية وتجاوز القطوعات الأمنية. وبينما واصل الجيش تدابيره في البقاع الأوسط حيث جرى التعرض لمراكزه ليل الخميس – الجمعة، وفي البقاع الشمالي لتفادي أي احتكاك بين بلدة عرسال ومحيطها، وفي صيدا وطرابلس، وساهم في ترتيب أمن الطلاب المتنقلين بين المناطق التي تشهد احتكاكات، إضافة الى انتشاره في العاصمة، تواصلت التحقيقات من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية في إطلاق صاروخ من أصل اثنين نصبت منصتاهما في أحراج بلدة بلونة الكسروانية، فسقط في منطقة مطلة على اليرزة وبعبدا، حيث وزارة الدفاع ومراكز عسكرية عدة والقصر الرئاسي. وهو ما دفع أوساطاً عدة الى التكهن بأنها رسالة سياسية الى الرئاسة الأولى أو الى الجيش. وقال وزير الداخلية مروان شربل «لا شك في أن الرسالة كانت، وفق معاينة الصاروخ الذي لم ينطلق، أنه باتجاه محيط وزارة الدفاع والقصر الجمهوري... وقد يصل الى حدود الضاحية الجنوبية». وأشار الى ضرورة دراسة إحداثيات توجيه الصاروخ. ونفت مصادر التحقيق حصول توقيفات لمشتبه بهم في قضية الصاروخين مؤكدة أن العمل جارٍ على التفتيش عن كاميرات مراقبة منصوبة لبعض المؤسسات التي يمكن أن يكون من نصبوا الصاروخين في الأحراج مرّوا من قربها وأنه جرى الاستماع الى أقوال بعض الشهود، لعلهم شاهدوا أشخاصاً مشبوهين ربما يكونون من نصبوا الصاروخين. ولم يخلُ يوم أمس من تداعيات المعارك الدائرة في المناطق القريبة من الحدود في سورية، فسقطت نحو 12 قذيفة مدفعية في بلدة الدبابية في عكار شمال لبنان بعضها في محيط منازل مواطنين، فتضررت من دون إصابات بالأرواح، ما سبب نزوحاً الى قرى أكثر أماناً. وفي البقاع الشرقي والأوسط أفاد مواطنون «الحياة» بعد ظهر أمس عن سماعهم دوي انفجارات وقصف عنيف جراء معارك دائرة في الأراضي السورية، وعلى طول سلسلة الجبال الشرقية الفاصلة بين لبنان وسورية. وسمع دوي القصف في كل من قوسايا، أبلح ورياق حيث قال سكان هذه القرى إن كثافة القصف غير مسبوقة وقوته سببت ارتجاجاً في بعض منازل رياق، كما سمع القصف في بعض مناطق زحلة. وقدّر السكان أن يكون سبب ذلك معارك دائرة في منطقة ريف دمشق والزبداني وسرعايا ورنكوس في الجانب السوري. ودعا بعض المواطنين الى ترقب ما إذا كان عنف المعارك هناك سيؤدي الى تخطي المتقاتلين الحدود بين البلدين. وعلى الصعيد السياسي، أكد الرئيس سلام أنه على رؤية واحدة مع الرئيس سليمان في تأليف الحكومة التي قال إنها «أمانة لدى الرئيس المكلف يتفق فيها مع رئيس الجمهورية». وإذ أشار الى أن مهمته ستعتمد على حسن نية القوى السياسية، مشدداً على استحقاقات كثيرة تفرض تشكيل الحكومة، لا سيما الأمني منها، قال «لست مستعداً للتهاون أو التساهل في شكل مفتوح، أو الى ما لا نهاية، وسأسعى جاهداً في الأيام المقبلة وإن شاء الله نشهد تأليفاً». وإذ تجنب الالتزام بمهلة، كرر القول رداً على سؤال حول موقفه من مطلب قوى 8 آذار الحصول على الثلث المعطل في الحكومة (أي أن يضاف الى حصتها بثمانية وزراء وزيراً تاسعاً)، إنه لا يمكن أي حكومة أن تنتج معتمدة في بدايتها على التعطيل. وعن المطالبة بحكومة سياسية أجاب: «إذا كانت ستؤدي مهماتها تحت عنوان المصلحة الوطنية فهي ستكون سياسية...». وإذ نفت مصادر سلام ل «الحياة» أن تكون هناك اقتراحات حول تعيين وزير ملك طرحت عليه من أجل تلبية مطلب «الثلث المعطل» مقنعاً لقوى 8 آذار، أو أن يكون هناك تداول بأي أسماء وزراء في هذا الصدد، أكدت مصادر «جبهة النضال الوطني النيابية» بزعامة النائب وليد جنبلاط أنها لم تطرح أي اقتراحات من هذا النوع لا على الرئيس سلام ولا على غيره. وأشارت المصادر الى أن «جبهة النضال» ليست في وضعية اقتراح صيغ مخارج وهي لن تحرج الرئيس سلام الذي يعود إليه طرح هذه المخارج وهي إذا كانت لديها أفكار تناقشها معه أولاً. وأفادت مصادر متابعة لمواقف الأطراف أن اقتراح الوزير الملك كان طرحه الرئيس نبيه بري قبل شهر. على صعيد آخر، وجه بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازحي نداء أمس بعد صلاة في دير سيدة البلمند على نية سلامة وعودة المطرانين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم وسائر المخطوفين في سورية، الى الخاطفين، قائلاً «إنها بركة أن تكونوا بمعيتهما (أي المطرانين)، ولكن لا تحتفظوا بهذه البركة لأنفسكم، بل جودوا بهما علينا من جديد، فهما أنفع للجميع، والرب سميح غفور». وأثنى على «جهود الدول والأجهزة الأمنية التي تعمل من أجل الوصول الى الخبر اليقين عن المطرانين المخطوفين»، سائلاً: «أهي عاجزة الى هذه الدرجة بشأنهما؟». وقال: «نؤمن أن مصيرهما، أولاً وأخيراً، هو بيد الله، ولكن هذا لا يعفي أي أحد من مسؤولية العمل للوصول الى الحقيقة وإطلاق سراحهما بأسرع وقت».