من الإشكاليات التي يعاني منها، خصوصاً طلاب وطالبات المرحلة الثانوية، هي عملية اختيار التخصص العلمي، غير إشكالية الفجوة التي سوف يجدها الدارس أثناء دراسته بين المرحلتين الثانوية والجامعية، وغيرها من الإشكاليات التي تحتاج تفصيلاً وتعرضاً منفصلاً ومستقلاً عن الموضوع الأساسي لهذا المقال، وهذه الإشكالية تظهر بالذات، وعلى وجه الخصوص، هذه الأيام بحكم أنها موسم استقبال الجامعات المحلية لملفات الطلاب والطالبات المتقدمين. هناك دراسة أكدت أن نسبة كبيرة تصل ل48 في المئة من الطلاب والطالبات دخلوا تخصصات مختلفة عن رغبتهم الشخصية التي تناسب ميولهم وقدراتهم، فالغالب منهم يختارون تخصصاتهم بعد مشاورة زملائهم بشكل غير مدروس، وبعضهم مقياسهم في عملية الاختيار نظرة الناس والمجتمع والوجاهة الاجتماعية، وشهرة التخصص، والبعض دخل تخصص ما بحكم ضغوط الأهل عليه، فهي مجرد مجاملة ومراعاة لغيره أكثر من ذاته. هذه الأزمة تحتاج معالجة وتداركاً سريعاً من الجهاز التعليمي، وهي تعتبر نقطة ضعف أساسية وخللاً كبيراً في نظام التعليم، وذلك يكون من خلال مساعدة الطالب في اكتشاف ذاته من بداية إلتحاقه بسلك التعليم وفق معايير علمية مجربة في البلدان المتقدمة، على سبيل المثال لا الحصر بريطانيا، ودراسة شخصيته منذ بداية تكوينه، من أجل استثمار الطلاب والطالبات على أفضل وجه يليق بهم، ومن أجل توظيف قدراتهم وطاقاتهم ومواهبهم في ما ينعكس من خير على ذواتهم وواقع البلد. في السنوات الأخيرة ظهر اختبار «القياس» للطلاب الطالبات، وهي فكرة مكتسبة من بلدان متقدمة والاستفادة من الدول التي سبقتنا في التجربة والتعليم والنهوض والوعي كلها أشياء عظيمة وواجبة لكن إذا لم تكن عملية نقل الأفكار والتجارب والاقتباس مدروسة وموازية للظروف الموجودة فهي قطعاً تنعكس بشكل سلبي، لأن المشروع لم يُسبق بتهيئة مناسبة وكافية لواقع الطلاب والطالبات ولم يسبق بتمهيد واقعي، فمثلاً طريقة الاختبارات غير دقيقة وغير موضوعية بشكل كافٍ، بل كثيراً ما يظلم قدرات الكثير، والجهة المعنية مطالبة بدرس ذلك وإعادة النظر في طريقة التقويم، ويجب مراعاة اختلاف التخصصات من أجل تحقيق أكبر نسبة من العدالة بين الطلاب الطالبات، وكذلك حتى من ناحية الرسوم تقوم بها جهة من الجهات المعنية للتخفيف على الطلاب والطالبات وأسرهم. لا بد من أن يشتغل الطالب كذلك على بناء ذاته واكتشافها، وألا يخسر ذاته وحياته... وعملية الاكتشاف عملية شاقة تحتاج جلداً وصبراً ومواصلة، دائماً المشقة تكمن في البداية، فمن المؤلم أن يخسر الإنسان ذاته من أجل أسباب غير منطقية، ومن يجيد قراءة ذاته ويكتشفها ويطورها بشكل مستمر ويختار التخصص العلمي المناسب له سوف يرسم المستقبل الذي يريد بإذن الله بحكم ارتباط ذلك بحياته الوظيفية والعلمية، كما يجب ألا يكون مصدر تكوينه واطلاعه مقصوراً على المناهج الدراسية لأنها تبقى محدودة وبمثابة مفتاح للدارس لا تجعله يمتلك أدوات الاجتهاد، ولا تنمي ملكة التحليل، ولا تجعله يرى الواقع على حقيقته. * كاتب سعودي. [email protected] @alzghaibi