تضمّ مصر أحد أعلى نسب الإصابة عالميّاً بمرض «أنيميا البحر المتوسّط» («ثلاسيميا» Thalassemia)، فتستقبل ألف مولود مُصاب به سنويّاً. وتساهم الوراثة بدور أساسيّ في انتقال المرض، ما يعني أن انتشار زواج الأقارب يفاقم هذه المشكلة. في المقابل، يفتقر مرضى ال «ثلاسيميا» في مصر إلى اهتمام كافٍ، بل يحتاجون دعماً ماديّاً ومعنويّاً كبيراً. وبادر المرضى، ونظّموا بالتعاون مع إحدى جمعيات المجتمع المدني («جمعية رسالة») مؤتمراً في القاهرة لتسليط الضوء على المعاناة التي يكابدوها في حياتهم اليوميّة، حمل عنوان «هَرْسِم بدمي حياة» (سأرسم بدمي حياة). وينتج مرض «ثلاسيميا» عن خلل وراثي يضرب عملية تكوين حديد الدم («هيموغلوبين» Hemoglobin) وهو المُكوّن الرئيسي في خلايا الدم الحمر. وكذلك يحمل ال «هيموغلوبين» الأوكسجين من الرئتين إلى أنسجة الجسم كافة. ومع الخلل في تركيب حديد الدم، تصبح خلايا الدم الحمر هشّة فتتكسر بسرعة، كما تنخفض قدرتها على نقل الأوكسجين إلى أنسجة الجسم المختلفة، ما يؤثر على أعمالها ووظائفها. فارق بين الناقل والمصاب ثمة ملمح مهم في ال «ثلاسيميا» يتمثّل في انتقاله عبر مُكوّنات وراثية تأتي من الأب والأم كلاهما معاً، أما إذا اقتصر الأمر على انتقال مُكوّن مفرد من أحد الأبوين، تكون النتيجة إنساناً يحمل إشارة وراثية عن ال «ثلاسيميا»، بمعنى أنه ليس مُصاباً. في هذا الصدد، أوضحت الدكتورة آمال البشلاوي، وهي أستاذة أكاديمية لأمراض الدم وطب الأطفال ورئيسة «الجمعية المصريّة لأنيميا البحر المتوسّط»، أن المرض قابل للحدوث حتى خارج زواج الأقارب. وقالت: «يحمل 7 في المئة من الناس المرض وينقلوه إلى أبنائهم». ويذكر «الاتحاد الدولي لمرضى الثلاسيميا» أن قرابة نصف مليون طفل يموتون سنوياً من جراء هذا المرض، مع ملاحظة أن 70 في المئة منهم يقضي بسبب عدم توافر علاج مناسب. وتشير إحصاءات كثيرة إلى أن نسبة حاملي المرض في مصر تصل إلى 9 في المئة وهي من أعلى النسب عالميّاً». وأوضحت البشلاوي أن الأعراض تبدأ منذ العام الأول للطفل في صورة شحوب واصفرار وتأخّر في النمو، وضعف الشهيّة، مع تكرار الإصابة بالالتهابات المختلفة، وتغيّر في شكل العظام (خصوصاً الوجنتين)، وربما ظهر تضخّم في الطحال والكبد. وفي هذا السياق، سعى مؤتمر «هَرْسِم بدمي حياة» إلى تسليط الضوء على التحديّات التي تواجه مرضى ال «ثلاسيميا» ومعاناتهم اليوميّة، داعياً لتوفير الأدوية لهم، خصوصاً الأنواع الحديثة منها. وأوضح الدكتور محسن الألفي أستاذ طب الأطفال وأمراض الدم في كلية الطب في جامعة عين شمس، أن مريض ال «ثلاسيميا» يحتاج إلى نقل دم في شكل دوري لتعويضه عن كريات الدم التي تتكسر بسرعة في جسمه، والحفاظ على مستوى مقبول من الهيموغلوبين في دمه. ولفت إلى أن هذا الأمر يتسبّب في زيادة الحديد بصورة مصطنعة، ما يفتح إمكان أن يترسّب الحديد الزائد في أنسجة أعضاء حيوية مثل القلب والكبد والبنكرياس، مع إحداث أضرار شديدة بها. وبسبب هذا الأمر، يحتاج المريض أيضاً إلى أدوية تخلّصه من عبء الحديد الزائد. وأشار الألفي إلى أن هذه الأدوية باتت تأتي على هيئة أقراص، بعد أن كانت تُحقَن تحت الجلد، لساعات طويلة يوميّاً، وكذلك تسهّل على المريض أن يعيش حياته اليوميّة بصورة طبيعية. وأشارت الدكتورة نجلاء شاهين، وهي اختصاصيّة في طب الأطفال لأمراض الدم الوراثية، إلى أن «هيئة التأمين الصحي المصرية» تغيير واقع مرضى الثلاسيميا، مشيرة إلى أن مرضى ال «ثلاسيميا» تحت 18 سنة، جميعهم يعالجون على نفقة «التأمين الصحي». ودعا الدكتور محمد بدر، أستاذ طب الأطفال وأمراض الدم في جامعة الزقازيق، إلى وضع خطة قومية لمواجهة انتشار المرض، مُشدّداً على أهمية دعم المجتمع للمرضى، خصوصاً عبر التبرّع بالدم. وحضّ بدر الحكومة على توفير أدوية ال «ثلاسيميا» في المستشفيات كافة.