لا يختلف اثنان على أن العبارات العنصرية والمذهبية التي رددها بعض أنصار نادي الهلال الأسبوع الماضي في مباراة فريقهم أمام نجران ضمن منافسات دوري المحترفين السعودي كانت الحدث الأبرز خلال المرحلة الثانية من البطولة، خصوصاً أنها تعدت جدران الملعب إلى وسائل إعلام عربية وعالمية، إذ وجدت فيها مادة دسمة لتحليل تركيبة المجتمع السعودي الديموغرافية والأثنية والطائفية، بل ودفعت بعض المواقع الاليكترونية إلى تصوير الأمر على أنه صراع غير معلن انتقل إلى تجمعات الشبان، وبدأ البعض من هؤلاء يجاهر به!، ومع أن تلك الهتافات المسيئة لمجتمعنا لا تعدو كونها عبثاً مارسه بعض المراهقين من دون ادراك لعواقبه، إلا أن رد فعل رئيس الهلال الأمير عبدالرحمن بن مساعد لم تكن موفقة، حين تجاهل في تصريحاته التليفزيونية عقب اللقاء تلك الهتافات، معتبراً أنها توازي الهتاف ضد ياسر القحطاني، ليجعل المتابعين يضربون كفاً بكف على حال الرياضة والرياضيين في بلادنا، على اعتبار أن الأمير الشاعر والمثقف الذي عرف بحسن التعامل وكرم الاخلاق أنسته الحماسة لناديه أن للوطن حقاً على الجميع، وأن ترديد هتافات عنصرية تنال من الوحدة الوطنية أمر لا يقارن بتساؤلات أنصار الاتحاد عن مكان وجود القحطاني أو غيره من لاعبي الهلال، وحقيقة تمنينا لو أن الأمير عبدالرحمن رفض تلك الهتافات، واعتبرها دخيلة على مشجعي الهلال، على اعتبار أن إدانة رئيس الهلال لهذه الهتافات من شأنها تهدئة النفوس وإظهار الوجه الحقيقي للإدارة الهلالية التي تفاخر دائماً بالمثالية والترفع عن سفائف الأمور، خصوصاً أن للهلال شعبية جارفة في نجران ومن المهم ل«الزعيم» الاحتفاظ بولاء أنصاره من أبناء تلك المنطقة، وحتى لا تقف علاقة الهلال مستقبلاً بالنجرانيين عند قول الشاعر: «وقد ينبت المرعى على دمن الثرى، وتبقى حزازات النفوس كما هي»!. الغريب في الأمر أن مسؤولي نادي الهلال ومنذ ترحيل المدرب الروماني كوزمين اولاريو في الموسم الماضي باتوا يتصرفون كالأخرين، ونسوا استراتيجية المثالية والالتزام التي كانت تميزهم عن المنافسين وتجعلهم الأقرب إلى الجميع... ومع الأسف بلغ الأمر بمسؤولي النادي الأزرق إلى الزج بحادثة كوزمين ومصيره في كل مناسبة يتهم الهلال فيها بارتكاب مخالفة للدلالة على أن ما حدث يوازي عقوبة أبدية من شأنها تكفير الخطايا واستدرار العطف إلى يوم الدين... وربما لا تلام الإدارة الهلالية لو لجأت إلى استخدام هذا الأسلوب لأن هذه اللغة مع الأسف أصبحت هي الدارجة في زمن «اللا مثالية»، وبات الحديث عن الرياضة بمفهوم الأخلاق والفروسية مدعاة للتندر والضحك! ومع أن في هتافات مشجعي نادي الهلال ما يمس الوحدة الوطنية ويسيء لأبناء منطقة نجران، إلا أن دورنا ليس المطالبة بتغريم النادي أو نقل مبارياته خارح أرضه، فالأمر متروك لتقدير المسؤولين عن الرياضة السعودية وهم أصحاب القرار... وحقيقة لا نريد من وراء الحديث في هذه القضية أن نسكب الزيت على النار وننجرف في تيار أصحاب الميول والمصالح، لأن هدفنا أن تبقى الرياضة وسيلة للتقارب والتنافس الشريف بين أبناء الوطن الواحد بعيداً عن التصنيفات والإقصاء، وحتى لا تصبح الرياضة أداة هدم وتخريب، وهو ما نتمنى من مسؤولي نادي الهلال الالتفات إليه بإصدار بيان يدين تلك الهتافات، وتسجيل موقف سيحسب لاحقاً لإدارة الأمير عبدالرحمن بن مساعد حين تلملم أوراقها وترحل في يوم ما. [email protected]