ألا يرى رئيس الوزراء (رجب طيب أردوغان) أن صورة تركيا بدأت تشبه صورة الدول البوليسية؟ هل يشعر بالفخر لاختناق المتظاهرين في ساحة تقسيم بالغاز، ويقول في قرارة نفسه أنه «طهّر» المكان من «القذارة»؟ ألا يخاف من صب الوقود على النار عبر حشد ناخبيه ضد المتظاهرين؟ ألا يدرك أنه يؤجج التوتر في الشارع ولا يساهم في تهدئته؟ ألا يرى أن الاوضاع قد تتفاقم فتخرج عن عقال سيطرة الأمن والشرطة؟ وإذا كانت هناك، كما يقول، مؤامرة دولية، ألا يدرك أنه بتصريحاته وأفعاله يلعب دور البطولة فيها، ويساعد أصحابها على بلوغ مآربهم، ويهدد أحلامه بالوصول الى كرسي الرئاسة وحلّ القضية الكردية وكتابة دستور جديد، وتعزيز استقرار تركيا السياسي والاقتصادي واستمالة الدعم الدولي؟ تلقي الأخبار عن الحال النفسية لرئيس الوزراء، قبل أمره بفض اعتصام حديقة غيزي بالقوة، الضوء على عدد من الأمور. ففي جلسات الحوار التي عقدها مع بعض النشطاء والمسؤولين، قال له أحد زعماء النقابات العمالية: «تحولت الاحتجاجات الى ظاهرة اجتماعية». فقام أردوغان من كرسيه صارخاً: «أي اجتماعية؟ هل ستعلّمني أنت ما هي الظواهر الاجتماعية؟ إلزموا حدودكم، كلكم ضدي، أنت والفنانون والناشطون كلكم تتحاملون علي!». وعندما قاطعه أحد الحضور بالقول: «لا يحق لك أن تصرخ في وجهنا»، استشاط أردوغان غضباً وصرخ: «هل ستعلّمونني شغلي؟ عيب عليكم، كلكم متآمرون ضدي». فاضطرت ابنته سمية أن تأخذه الى خارج غرفة الاجتماع ليهدأ قليلاً. يحسِب أردوغان أنه يتعرض لمؤامرة دولية يشارك فيها الجميع ضده. فنراه يوجه اصابع الاتهام الى الإعلام التركي ووسائل الإعلام الدولية. ويساهم مستشاروه والحلقة المقربة منه في تأجيج انفعاله. فلسان حالهم «بالفعل يحاولون الاطاحة بك سيدي». وبعد أن غادر أردوغان غرفة الحوار، التفت وزير السياحة الى الضيوف قائلاً: «خيَّبتم أملي، أهكذا تتحدثون إلى رئيس الوزراء؟ لن أسمح لأحدكم بالحديث معه بعد اليوم!». كثر كلام أردوغان أخيراً عن الكفن والموت. وصار يبدأ معظم عباراته قائلاً: «مهما كان الثمن...». ويشبّه نفسه بزعيمين سابقين هما عدنان مندريس وترغوت أوزال، ويرى ان كلاً منهما كان ليّن الطباع ومعتدلاً، لذا لقيا مصيراً واحداً: القتل. لكنه يغفل أن كلا الرجلين حمله التفرد بالحكم لسنوات طويلة على الغرور والاستبداد. مع الأسف، لم يعد أردوغان محاطاً بمن ينصحه بالهدوء والاعتدال. وفي هذه الظروف، اتجهت الانظار الى الرئيس عبدالله غل راجية، منتظرة منه أن يتدخل، ولكن يبدو أن صوته لم يعد يبلغ أردوغان. تُفاقِم خطب رئيس الوزراء الأخيرة الاصطفاف في الشارع، فهو إذ يسعى الى رص الصفوف حوله، يزيد صفوف خصومه قوة ومنعة. وفي تصريحاته، يحرض أردوغان ضد أحد الفنانين الشباب، ويتهمه بتجييش الشباب في الشارع والتآمر على الحكومة. ينظر الفنانون الى هذا الاتهام بعين القلق، إذ يخشون أن يعتدي أحد المتطرفين المتأثرين بتحريض اردوغان على الفنان محمد علي ألابورا. لكن نقابة الممثلين امتنعت عن عقد مؤتمر صحافي تنبه فيه اردوغان الى أخطار تصريحاته أو تنتقد هذا التحريض وتعبّر عن قلقها. واكتفت بتوجيه رسائل جماعية عبر «تويتر»، لتفادي النفخ في غضب أردوغان أو حنقه! وعلى رغم مسارعته الى اتهام المعارضة بتدبير هذه «المؤامرة»، أمسكت ألسنتها تقديراً للوضع. أوليس الأحرى بأردوغان أن يحذو حذوها ويهدأ؟ * كاتب، عن «مللييت» التركية، 16/6/2013، إعداد يوسف الشريف