جاءت مسرحية «طرطوف» التي قدمها الفنان الفرنسي الكبير موليير عام 1664، وكأنها قذيفة موجّهة إلى الذين يتظاهرون بالفضيلة، ويتسترون وراء الدين، لتحقيق مصالحهم غير المشروعة، فطرطوف هو رجل يتظاهر بدرجة عالية من التقوى الدينية، فيستضيفه أورجون الرجل الطيب في بيته، أملاً بأن يمثل أمام زوجته وأولاده نموذجاً يقتدى به، لتمضي أحداث المسرحية في طرافة وسخرية بحبكة فنية وفكرية، نكتشف معها أن طرطوف هذا ليس سوى رجل انتهازي فاسق، يريد الاستيلاء على أموال أورجون وإغراء زوجته، فينكشف أمره وتظهر حقيقته الفاسدة أمام الجميع، فيطرده صاحب البيت، وينتهي أمره في السجن كمجرم سابق، يتخفى في ثوب الزاهدين هرباً من العدالة. إنها المسرحية التي قامت قيامة المتشددين ضدها وضد مؤلفها، مع أن موليير دافع عن نفسه وقصده، الذي لا يهدف أبداً إلى نقد الإيمان والدين الصادق، وإنما الى نقد النفاق والتجارة ب«الدين»، الذي ينبغي أن يكون خالصاً لوجه الله، فلا تشوبه شائبة من منفعة أو استغلال مسيء، ومع ذلك فقد استمرت الحملة، وأصدر رئيس أساقفة باريس، حظراً دينياً يمنع الجميع من قراءة المسرحية أو مشاهدتها، ليتدخل الملك لويس الرابع عشر، ويأمر بإيقاف عرض المسرحية فترة تهدأ فيها النفوس والعاصفة، ثم يأمر بإعادة عرضها. كلمة أخيرة: لا يمكن للدين أن يكون منافياً للعقل، أو تعويضاً عن الدنيا التي جاء لتنظيمها وتفجير طاقاتها، كما لا تملك الأمة التواجد خارج دينها، ولكن ليس هناك في الوقت ذاته ما يستدعي تقليص الجوانب الدينية إلى مستوى الناحية الفقهية، وتحويل الشريعة الإلهية إلى نظام للعقاب والثواب الأرضي، بل ينبغي أن يعود الدين إلى وضعه الأصلي كمركز توظيف للألفة الاجتماعية، فلا يتمحور حول مشكلات السلطة، ويتحمل نتائج التنازع عليها، فالدين إنما يكسب أكثر، وكذلك المجتمع عندما يميّز نفسه عن العقائد السياسية، ويترفع عن منافسة التنظيمات المدنية، وقواعد القوة المادية لمصلحة تطوير نشاطه في ميدان قيادة الإنسان نحو القيم الأخلاقية، التي لا يقوم مجتمع ولا تنهض دولة من دونها، فإذا صار نفسه هو الدولة لم يبق في المجتمع إطار للفضيلة الاجتماعية المستقلة عن السلطة السياسية وقيمها، وفي هذا اعتراف ضمني بالطبيعة المختلفة لكلتا السلطتين، ومع هذا تجد أنه من السهولة في مجتمعاتنا الإسلامية تضليل الرأي العام من المنتفعين والمتأسلمين، بمجرد إظهار من يحاول التصدي للتطرف، وكأنه يعارض الدين، ويقف منه موقف الرفض والإنكار، وهي تهمة بشعة ومجحفة بحق الغيور على دينه ووطنه، ومحزنة ومؤلمة حين تجد من يصدقها، وكأنه لا يريد أن يصدق غيرها، ولكن كما أن الإنسان بازدياد مواهبه يتكاثر حساده كذا هي الدولة، فكلما حباها الخالق بنعمه تزاحم عليها أعداؤها، يقول فاليري: «تكون الدولة قوية ومتماسكة بمقدار ما يسعها أن تحتفظ في ذاتها بما يعمل ضدها» والسعودية بلد قوي. وقالوا: «يتفوق ذو الجهالة على ذي الحجة، لأنه دائماً في حالة رضى عن نفسه» فولتير. [email protected]