صورة ومقطع فيديو أثارا حفيظتي الأسبوع الجاري، وكلاهما يُشير إلى أن الفرد العربي لم يمتلك من الضوابط الشخصية ما يجعله قادراً على التعامل مع وسائل الإعلام الحديثة بالمعايير الأخلاقية والقانونية، وهو ما يزداد سوءاً في ظل البيئة القانونية والحقوقية العربية التي ندرك أبعادها جميعاً، فهي في مرات عدة لا تحق حقاً ولا تُبطل باطلاً، ولعل ما يعزز من حال الانفلات غياب المنظمات المدنية التي تدافع عن حقوق من لا حقوق له من الأفراد، ما يجعل أيّ شخص أو منظمة أو وسيلة يفكر ألف مرة قبل أن يرتكب أيّ تجاوز من أيّ نوع كان تجاه أيّ فرد. أسهبت في الشرح والتفصيل والتمهيد قبل أن أقول لكم أية صورة وأي مقطع فيديو استفزني، فالصورة هي للاعب محمد الخليوي، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وهو مسجى في كفنه، وهي اللقطة التي جعلتني أتساءل: كيف يجرؤ شخص في ذلك الموقف بمكانه وزمانه أن يفكر في إخراج هاتفه «المتحرك»، ليلتقط مثل تلك الصورة، فلا أهل الميت لديهم من المزاج لمناقشة ملتقط الصورة، ولا الزمان يسمح باختلاق مشكلة، ولا المكان يتيح إثارة الخلاف. لا أعرف ملتقط الصورة، وربما يكون فرداً من عائلة المرحوم، أو ضمن الدائرة الضيقة من المقربين له، لكن في كل الأحوال كان فيها تجاوز على «حرمة الميت»، ولا أدرى كيف هبطت فكرة التقاط الصورة على رأس «ملتقطها»، وربما كان التجاوز متوقعاً حدوثه في عصر ال«واتسآب» و«تويتر» وأشقائهما من الوسائل التي جعلت الكاميرا لا تفارق اليد، وفكرة التقاط الصورة تداعب المخيلة من دون وعي يضبطها، ربما كان تصرفاً فردياً، لكن ما لم أستسغه هو قيام «كيانات إعلامية» بنشرها، أياً كانت صفتها، سواء الإكترونية أم المطبوعة أم غيرها. ومقطع الفيديو كان لفتاة سورية تحت الأنقاض، وطفقت تصرخ أثناء انتشالها: «عمو لا تصورني... ماني محجبة» والتي هلّل لها الكثيرون من منطلق ترحيبهم بتصرف الفتاة، وحرصها على حجابها، حتى وهي في أسوأ ظروفها، وهو موقف محترم يدل على إيمانها بقناعتها، وتمسّكها به حتى في لحظات الموت، وهو ما لا يمتلكه الكثيرون من «أشباه الرجال»، لكن ليس هذا الجانب الذي لفت نظري، بل ما ساءني هو أن «عمو» استمر في التصوير، ولم يحترم رغبة تلك الفتاة التي كانت في حال أشبه بمن يطل على «موت»، بينما «عمو» تجاهل صرختها، واستمر يلتقط الصورة لأكثر من دقيقتين، بل حتى تم انتشالها بالكامل، وواصل حتى تم نقلها من موقع «الأنقاض»، ولأن «الحجاب» أهم من «الحقوق» فإن الأولى نالت من الترحيب ما لم تنله الثانية من «التقريع». ولذلك نام «عمو» قرير العين، معتقداً أنه أتى بما لم تأتِ به الأوائل، فلم يحفل أحد بتصرفه، بينما وصلت لقطة الفتاة «غير محجبة» إلى أصقاع الأرض كافة. [email protected] aljabarty@