يعود الوسط السياسي اللبناني الى استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة بدءاً من الأسبوع المقبل، لأن حجة انتظار ما سيؤول إليه الطعن بالتمديد للبرلمان اللبناني لاستئناف النشاط من أجل ولادة الحكومة يكون قد استنفد. وتقول مصادر سياسية بارزة إن بحلول الخميس المقبل في 30 حزيران (يونيو) تكون ولاية البرلمان الحالي انتهت، والمتوقع أن يتعذر اجتماع المجلس الدستوري (المقرر بعد غد الثلثاء) للبت في الطعن، ما يعني أن انقضاء تاريخ نهاية ولاية البرلمان سيحتم، وفق بعض القانونيين ورئيس المجلس النيابي نبيه بري اعتبار قانون التمديد ساري المفعول، إلا إذا حصلت مفاجآت تغيّر من اتجاهات الأمور، وهو أمر مستبعد. فاستمرار تغيّب العضوين الشيعيين والعضو الدرزي في المجلس لإفقاد اجتماعه النصاب من أجل الحؤول دون أي احتمال لقبول الطعن بأكثرية 7 أعضاء من أصل 10، ما زال الوسيلة التي يعتمدها كل من بري ورئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط عبر تأثر الأعضاء المتغيبين بموقفهما المصر على التمديد ومخاوفهما الأمنية من خيار حصول الانتخابات في مدة قريبة. وتقول المصادر البارزة، المؤيدة لإفشال الطعن بالتمديد مدة 17 شهراً، أنه إذا نجح الطعن فإن البلد سيعود الى الدوامة نفسها لأنه سيقود الى اجتماع البرلمان مجدداً لتقصير مدة الطعن من 17 شهراً الى 4 أو 5 أو 6 أشهر مع افتراض إجراء الانتخابات في نهايتها. ومتابعة الخطوات الإجرائية اللاحقة لقبول الطعن، ما يعيد السجال على أي قانون تجرى الانتخابات خلال المهلة القصيرة للتمديد فهناك فرقاء ما زالوا يرفضون أن تتم على قانون الستين، فيما الظروف التي حالت دون التوافق على قانون جديد ما زالت قائمة ما يعني أن الاحتمال الأرجح هو أن تنتهي المهلة القصيرة للتمديد في ظل المأزق نفسه، من دون أن يستجد أي عامل يسمح بالاتفاق على قانون جديد، ونعود الى تمديد المهلة القصيرة مهلة جديدة أخرى (6 أشهر إذا افترضنا أنه سيتم تقصير مهلة التمديد الى هذا القدر). وتضيف المصادر البارزة أن تقصير مهلة التمديد توجب أيضاً اتخاذ خطوة أخرى هي أن تتشكل حكومة تشرف على الانتخابات في نهاية المهلة، ما سيعيد السجال حول ما إذا تكون حكومة انتخابات من غير الحزبيين وغير المرشحين كما تقول قوى 14 آذار، أو حكومة سياسية تمثل الأطراف (حكومة وحدة وطنية) كما تقول قوى 8 آذار. وتعتبر المصادر نفسها أن هذا السجال سيستمر فيظل استمرار تباعد المواقف إذا قبل المجلس الدستوري الطعن، مثلما كان حاصلاً قبل قبول الطعن، خصوصاً أن هذا التباعد ازداد بعد إعلان «حزب الله» اشتراكه في المعارك في سورية الى جانب قوات النظام السوري. فقوى 14 آذار أعلنت رفضها الجلوس الى جانب «حزب الله» الى طاولة مجلس الوزراء طالما هو مشارك في القتال الدائر في سورية، والحزب في المقابل يصر على اشتراكه المباشر وتمثيله بحزبيين منه فيها. وتتابع المصادر: «تشددت قوى 14 آذار في رفضها الاشتراك المباشر للحزب في الحكومة بعد إسقاط مدينة القصير السورية من قبل قواته وقوات النظام، فيما تشدد الحزب أكثر في مطلبه أن يتمثل مباشرة وليس بالواسطة، ولسان حاله يقول إنه رفض مبدأ تمثيله عبر شخصيات شيعية قريبة منه بدلاً من أن تكون حزبية وقيادية لأنه أبى الموافقة على الضغوط الغربية والعربية لاستبعاده من الحكومة وهذا كان قبل معركة القصير فهل سيسلّم بها بعد أن اعتبر أنه حقق انتصاراً في الميدان السوري، واعداً نفسه بالمزيد من الانتصارات وفق خطابه أول من أمس؟». وتنتهي المصادر السياسية نفسها الى القول إن قبول الطعن سيقود الى مأزق آخر، إضافة الى المأزق المتعلق بموعد الانتخابات وقانونها، ومأزق تشكيل الحكومة، هو المأزق الأمني. وفي رأي المصادر أنه يجب «ألا نختبئ وراء اصبعنا، لأن ما فرض التمديد هو المنحى الذي ذهب إليه «حزب الله» في خوضه المعارك في سورية. والحزب والرئيس بري اقترحا أن يكون التمديد سنتين لأنهما يتوقعان أن تمتد الأزمة هذه المدة، التي تقلصت بعد إصرار تيار «المستقبل» و14 آذار على تقصيرها الى 6 أشهر فيما رضي الحزب وبري بأن تكون 18 شهراً، ثم قبلا ب17 شهراً بعد إصرار «المستقبل». وبالتالي فإن استمرار انغماس الحزب طوال هذه المدة في الحرب في سورية سيرتب تداعيات على الوضع اللبناني بدأنا نشهد مظاهرها توترات أمنية هنا وهناك مع ارتفاع وتيرة التصعيد في الخطاب السياسي. ولا شيء يضمن أن يكون الوضع أكثر استقراراً في حال جرى تقليص مدة التمديد وإجراء الانتخابات بعد 6 أشهر، بل ربما يكون أكثر توتراً وقد يشهد المزيد من الحوادث المتنقلة حيث هناك بؤر مفتوحة، من طرابلس الى عرسال ومحيطها وصيدا وغيرها مع تصاعد القتال في سورية بمشاركة حزب الله، وتدفق النازحين»... الخ. وترى المصادر نفسها أن من تقدموا بالطعن، لا سيما الرئيس ميشال سليمان وزعيم «التيار الوطني الحر»، سيعودون الى مواجهة المأزق نفسه إذا قُبل الطعن، هذا مع الملاحظة أن العماد عون قد يتمكن من تثمير الطعن إذا أقرّ به المجلس الدستوري سياسياً ولو لمدة قليلة أمام الرأي العام المسيحي أكثر من الرئيس سليمان. إلا أن مصادر أخرى تتعاطف مع موقف سليمان ترى أن طعنه بالتمديد يعبّر ليس فقط عن موقف مبدئي، بل ينسجم جوهرياً مع موقفه السياسي الذي أعلنه منذ أشهر، قبل تدخل «حزب الله» عسكرياً في سورية، طالما أن سبب التمديد الفعلي هو استمرار انشغال الحزب بالمعركة التي يخوضها من ضمن مشروع إقليمي كبير يراد إقحام لبنان فيه، خلافاً لإعلان بعبدا بالحياد عن المحاور الإقليمية. وهو في هذا يستمر على توجهه منذ مدة طويلة، المعاكس لمساعي إدخال لبنان في الصراع الدائر الى جانب النظام السوري، بدءاً بتشدده إزاء الخروق السورية للسيادة اللبنانية وانتهاء برفضه انغماس «حزب الله» في الداخل السوري. هل يسهل سريان مفعول التمديد الأسبوع المقبل الانتقال الى استحقاق تشكيل الحكومة؟ بعض الأوساط يأمل بأن يسمح الدور الذي لعبه النائب جنبلاط مع الرئيس بري في تسويق التمديد وفقاً للصيغة التي رغب فيها تحالف أمل و»حزب الله» في أن يسعى الى حلول وسط لعملية تأليف الحكومة توفق بين صيغة الرئيس سلام التي كان طرحها بالتمثيل المتساوي (14 آذار و8 آذار والكتلة الوسطية المؤلفة منه ومن سليمان وسلام. (8 - 8 - 8)، وبين إصرار 8 آذار على تمثيل حزبي والثلث الضامن. إلا أن المصادر السياسية البارزة تستبعد ذلك لاعتقادها أن قوى 8 آذار ليست على استعداد لأن تدفع ثمن التمديد في تأليف الحكومة، لا سيما في ظل الحملة السياسية المتشددة من دول الغرب ودول الخليج العربي على الحزب، بل ان هذه الأوساط ترجح أن يبقى لبنان بلا حكومة لمدة طويلة.