إن الإنسان الذي يفجر نفسه (أو نفسها) ليس جباناً وليس شجاعاً، وإنما إنسان «معذب» يكره نفسه التي سببت له العذاب، وبتفجير نفسه يُريد حرفياً لا مجازاً «العتق» من هذه النفس. ولكن المعذبين فوق سطح الكرة الأرضية كثيرون، ولا يُقدم جميعهم ولا أغلبهم على «الانتحار» المحايد - أي الذي يهدف فقط إلى «العتق» من النفس من دون تحقيق هدف غير قتل النفس - ولا يكثر قتل الناس لأنفسهم إلا لغرض سياسي. ولم يقتل الآلاف من الشيوعيين أنفسهم في روسيا، والآلاف من شباب النازيين في ألمانيا، في أوائل القرن الماضي وثلاثيناته، ل «عتق» أنفسهم من عذابها فحسب وإنما أيضاً، لتحقيق سعادة ونشوة ترافق ترويع الأعداء وقتلهم حتى لو لم يتحقق قتل النفس بحد ذاته، فإنه يحقق شيئاً من «العتق» من النفس. ***** لماذا؟ بإيجاز لأن الكاره لنفسه المعذب، صار عضواً في مجموعة أكبر، وبدا ممكناً له تحقيق السعادة والنظر إلى خارج النفس إلى أفق أرحب. فجأة أتى من يقنع (أو يغسل أمخاخ المعذبين) بأن مصدر عذابهم ليس أنفسهم وظروفهم الفردية، إنما «الآخرون» الذين يعيش المعذب بينهم. وجميع من ليسوا أعضاء في «النادي» أو «الحزب» «آخرون» يجب محاربتهم وقتلهم. وإذا كان «الآخر» يحتل مكانة أهم من بين «الآخرين» فقتله أوجب ويحقق قتله نشوة أكبر. ولا يهم سواء تم ذلك من دون قتل النفس أو تم بقتلها ما دام أنه تم إقناع القاتل بأنه يحقق غاية نبيلة تتجاوز شخصه وتخدم جميع من صار واحداً منهم. ***** إذاً من الواضح، والتجربة تثبت، أنه يتعذر إقدام الكثيرين على قتل أنفسهم وكراهية أهلهم وذويهم، إن لم تتوافر البيئة الفكرية التي تدعو إلى التطرف والإقصاء. وبالطبع أقصى درجات «الإقصاء» في مجتمع مسلم متدين بالفطرة والنشأة هو «التكفير». ***** ولذلك، فإن «التعيس» الذي حاول اغتيال الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وحالت إرادة الله دون تحقيقه الهدف الذي أُرسلَ لتحقيقه، ليس بالضرورة إنساناً شجاعاً، وليس بالضرورة إنساناً جباناً. فربما كان جباناً وربما كان شجاعاً. وربما كان بين بين. والمؤكد أنه كان «معذباً» تم إيهامه من طريق «استغلاله» بحقنه بفكر متطرف إقصائي يكفّر المجتمع كافة أو جزءاً منه كالقيادة السياسية. ***** والمحزن، وربما المفجع، أن بعض دعاة التطرف والتشدد نجح في إقناع الكثيرين بأن التطرف والتشدد ما هما إلا أفضل الأدوات لحماية شبابنا من فكر القابعين في كهوف جبال أفغانستان وباكستان. والأرجح أنه ليس كل المتشددين، وحتماً ليس كل «الملتزمين» يريدون إيجاد البيئة المناسبة لتسهيل تجنيد شبابنا لترويعنا وقتلنا وتهديد أمننا. ومع ذلك، ومن دون أن يعي ذلك بالضرورة كل المتشددين المضيقين، فإن نشر التشدد والشك في النيات، يقللان من صعوبات تحويل السذج وصغار السن من غير الراضين عن أنفسهم إلى الساخطين على مجتمعهم كافة إلى درجة الإقدام على ترويع أبنائه وإرهابهم. ***** وختاماً ينبغي إيضاح حقيقة أثبتتها تجربة الآخرين، قبل وجود الإرهاب باسم الإسلام بمئات السنين، وهي أن «الإقصاء» و «خلق الآخرين»، والتشكيك في عقيدة القائمين على مؤسسات وطنية كبرى من اقتصادية وغير اقتصادية، عوامل تُسهل «تضليل» أبنائنا وتخلق بيئة فكرية خصبة، لتجنيدهم في قوافل الباحثين عن السلطة باسم الإسلام. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي