دار الكلام، الى وقت قريب، على أفول الولاياتالمتحدة. وقيل انها خسرت مكانتها العظمى، وتتراجع في وقت تخطو الصين خطوات ثابتة نحو التربع على عرش القوة الاقتصادية الأبرز في العالم. لكن مد التشاؤم هذا حول مستقبل اميركا – والذي أغرق النخب السياسية الاميركية- ينحسر. وبعد أعوام الأزمة وتوقع الأسوأ، رجحت كفة الطاعنين في الأفول الأميركي. وخبت الأصوات المحذرة من الخطر الصيني. فالناتج الأميركي المحلي يبلغ 16 ألف بليون دولار سنوياً، أي ضعفي نظيره الصيني وربع الاقتصاد العالمي، والدخل الفردي الأميركي 9 اضعاف نظيره الصيني. ويدعو ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية النافذ الاثر في السياسة الخارجية الاميركية، الى العزوف عن «النقاش الضعيف الصلة بالواقع. فعجلة النمو تدور في اميركا، وبقية العالم يواجه مشكلات جدية. ومن يبلي بلاء حسناً اليوم في قطاع تتعثر فيه الولاياتالمتحدة، لن تكون الغلبة له. فهو لا يزال في اسفل الدرك ولم يبلغ مصاف اميركا». ويرى الطاعنون في نظرية الأفول الأميركي ان اياماً واعدة تنتظر بلادهم، ومنهم الخبيران العسكريان مايكل أوهانلون، الخبير في معهد بروكينغز، وديفيد بترايوس، قائد القوات الاميركية السابق في العراق وافغانستان الذي يشغل اليوم منصباً تعليمياً جامعياً. ففي مقالة وسماها ب «مستقبل اميركا الواعد»، يعرض الكاتبان دواعي تفاؤلهما، ويوجزانها في ثلاث ثورات، أبرزها الثورة في مجال الطاقة. فالولاياتالمتحدة ستتصدر الدول المنتجة للنفط الخام بين 2017 و2020، والدول المصدرة في 2030. وهي تتربع على عرش أكبر منتج للغاز الطبيعي، وتتمتع باحتياط يكفيها لمئة سنة. والثورة الثانية صناعية: فأميركا تؤدي دوراً ريادياً عالمياً في الطباعة الثلاثية الابعاد وفي صناعة الروبوت (الرجل الآلي). والثورة الثالثة تقنية، محورها تكنولوجيا المعلومات والانتقال الى قطاع حوسبة السحاب. ويرى الطاعنون في الأفول المزعوم ان الاتحاد الاقتصادي بين الولاياتالمتحدة وكندا والمكسيك سينقذ حركة النمو العالمي من الضمور. فالعالم قد يكون امام عهد جديد يبزغ، هو عهد اميركا الشمالية الجديدة. فتغيّر وجه قطاع الطاقة «ظاهرة اميركية شمالية»، كما يقول هاس. ولكن هل يغالي التفاؤل هذا في المبالغة؟ لا شك في ذلك، لكن الأمور لم تعد على حالها في الولاياتالمتحدة، والمؤشرات الاقتصادية والمالية، واعدة. فعملية تقليص العجز المالي على قدم وساق ووتيرتها أسرع من المتوقع. وهي أفلحت في تقليصه 4 في المئة من الناتج الأميركي في 2013، بعدما بلغ في 2009 أربعة في المئة. وحقّقت وول ستريت ارباحاً لا نظير لها في تاريخها في نيسان (أبريل) الماضي. وارتفعت أسعار العقارات. ويرى 56 في المئة من الأميركيين ان الاقتصاد بدأ يتعافى، ولا يخفى ان الجمهوريين لم يعدلوا عن سياسات عرقلة الإدارة الديموقراطية، ولكن حين تقع أزمة، يعف الاميركيون عن انقساماتهم ويرصون صفوفهم ويؤازرون الضحايا. رافضو خطاب أفول اميركا يتوقون الى غد تضطر فيه الصين- واعتمادها على مصادر الطاقة يتعاظم- الى جبه تحديات الشرق الأوسط المعقد. ويتوقع ان تستورد 70 في المئة من حاجاتها النفطية من هذه المنطقة في 2015. والغد لناظره قريب. وفي الأثناء، تسعى واشنطن الى تجنب الوقوع في شرك عدد من العثرات، ومنها السلاح الكيماوي السوري والصواريخ الكورية الشمالية و «النووي» الإيراني. * محلّلة، عن «لوموند» الفرنسية، 1/6/2013، إعداد منال نحاس