1 في عام 1987 حدثت لي قصة طريفة لم أنسها لكني تذكرتها الآن أكثر من أي وقت مضى. كنا في المعمل نجري تجربة مخبرية عن تأثير العوامل الوراثية على الأطفال المونغوليين من خلال دراسة حالة ذباب الدروسوفيلا. طلب مني الباحث الاسترالي المشرف على الدراسة أن أضع في إناء البحث من الذباب (ذكراً) واحداً فقط هو ما نحتاجه للبحث، سألته وكم أنثى أضع معه؟ انتهز الاسترالي الفرصة بخبث وردّ «مازحاً»: إن كان ذَكَر الذباب عربياً فضع معه أربع إناث، وإن كان غربياً فتكفيه أنثى واحدة! أجبته أيضاً مازحاً رازحاً: إن كان ذكر الذباب عربياً فسأضع معه أربع إناث، وإن كان غربياً فسأضع معه أنثى واحدة وأربعة ذكور! تقلّصت ابتسامته قليلاً ثم قال: نحن لدينا الحالات الخارجة عن إطار الحالة النموذجية للزواج، التي هي زوج واحد لزوجة واحدة، حالات فردية وغير معلنة أو مشرّعة قانونياً، بينما أنتم عندكم التعدد شرعي ديني ومقنن. في الحقيقة لم أحاول أن أقنعه بمبررات التعدد، خصوصاً أني كنت في ذروة الرومانسية بعد زواجي الذي مضى عليه أشهر قليلة حينذاك. لكني حاولت أن أشرح له الفروقات الاجتماعية والتنوع الثقافي بيننا وبينهم. وحتى أكون أميناً في وصف ما جرى، فإني لم أستخدم (التنوع الثقافي) لأني لم أكن أعرف حينذاك هذا المصطلح، المتحضر آنذاك والمستهلك الآن، كنت أسمي تلك الفروقات ب (الخصوصية)، هذه المفردة التي كانت تنقذنا كثيراً في نقاشاتنا قبل أن تصلنا المخارج الجديدة للنقاش مثل: التنوع الثقافي، الحوار بين الثقافات، التعددية، الحوار مع الآخر. شكراً للخصوصية التي ساعدتنا كثيراً وتحملت كافة احتياجاتنا! الآن ... بعد مضي 26 عاماً على تلك الحكاية، ها هي البرلمانات الغربية تتسابق وبفخر وزهو مشوب بالتحضّر، إلى تشريع زواج المثليين وجعله قانونياً ودستورياً، وتهافتت حجة صاحبي الاسترالي ... وليتها والله لم تتهافت. وأصبحنا بالتعبير المصري «مفيش حد أحسن من حد»، بل «فيش» حد أحسن، ففي حين تتسابق الدول لتشريع زواج المثليين، تتسابق دول بالمقابل في تجريم تعدد الزوجات. وإذا استمرت هاتان الموجتان المتضادتان في التوسع فسنضع مع ذَكَر الذباب العربي أنثى واحدة، ومع ذكر الذباب الغربي ذكراً آخر!! 2 ما الذي يجري في الغرب، ولماذا انقلبت الموازين، بل لماذا يتم صنع موازين العالم كله وفق وحدات القياس الغربية؟! لن أناقش هنا الخلفيات الدينية والاجتماعية والصحية للزواج المثلي، فهناك لحسن الحظ من يناقشها من أهل البيت الغربي، سواءً من أتباع الكنيسة الكاثوليكية أو من الحركات الاجتماعية المحافظة الذين اكتظت بهم شوارع باريس والمدن الفرنسية الشهر الماضي في تظاهرة مليونية حاشدة مناهضة ومستبشِعة لتشريع زواج المثليين. لكني أود أن أستوعب مسوغات المشرّع في البرلمان الذي منع الحجاب وحظَر تعدد الزوجات لكنه أجاز زواج المثليين. وبعد سنوات كثيرة أو ربما قليلة سيجيز زواج المحارم، أي زواج الأخ من أخته والإبن من أمه، ثم سيشرّع الزواج من الحيوانات .. الأليفة فقط، حتى لا تكثر حالات الطلاق أو العنف الأسري من لدن الأزواج من الحيوانات المتوحشة! لِم لا ما دام أن المبدأ المرجعي هو الحرية المطلقة وبلا حدود من أجل تحقيق الإنسان لرغباته الشخصية، ولأجل هذا قامت الثورة الفرنسية، كما يصرّح أحد المسؤولين الفرنسيين مؤيداً القرار. لماذا يشرّع الغرب لإنسانه كل ما يريد وبلا حدود، بينما يتبنى القوانين الدولية للحدّ من حريات الآخرين؟! لماذا تصادَر الحرية الشخصية للمرأة في أن تلبس ما تشاء، بينما يُسمح لها أن تخلع ما تشاء؟! لماذا يتم التعاطف مع الوضع الصحي الاستثنائي لمن يشتهي الزواج بمثيله، ولا يتم التعاطف مع الوضع الصحي الاستثنائي لمن يشتهي الزواج بأكثر من زوجة؟! من الذي يفرض على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يصف العداء للمثلية الجنسية بالفضيحة والظلم والهمجية، بينما لا يقول زعيم حقوق العالم أي كلمة للدفاع عن المرأة التي تريد أن تمارس حقها في أن تلبس حجابها؟! أيّ عالم هذا الذي نحن فيه الآن، وأيّة حقوق إنسان هذه التي تُصاغ بانتقائية ركيكة ومخجلة؟! 3 أعجبني كثيراً تشبيه بيان الكنيسة الكاثوليكية الإسبانية الإعتراضي على قانون الشواذ حين وصف تزويد المجتمع بأبناء التبني لأسرة شاذة بأنه يشبه ترويج العملة المزورة في المجتمع! سيصبح على مدارس المستقبل أن تطلب في ذيل تقريرها للطالب المتبنَّى من لدن أسرة شاذة: توقيع الأَب وتوقيع الأُب! أي إذا كان العالم الثالث قد اشتهر بانغماسه في تصنيع العملة المزورة، فإن العالم الأول سينغمس في تصنيع الأسرة المزورة. لن أتمادى في التندّر المغري والثري على زواج المثليين، حماية لهيبة الألم والغضب تجاه القانون، ولأن الترتيبات قد بدأت تأخذ مجراها لتجريم من يسخر من هذه الفئة! أتساءل أخيراً، ما الذي يمكن أن تكون عليه صورة المجتمع البشري إذا تمادى في تجريب مصادمة القوانين الطبيعية للكون، وأصبحت متعته وتفوّقه مكرّساً في إباحة الممنوعات والمضي إلى أقصى مدى ممكن في كسر التابو ... التابو الذي تقيّدت مجتمعات بقيوده المفرطة، وانقادت مجتمعات أخرى بالإفراط في كسر قيوده! * كاتب سعودي Twitter | @ziadaldrees