اقتربت رحلة الطائرة البريطانية من نهايتها وأعلن الطيار أننا سنهبط في الأردن بعد 20 دقيقة، ونظرت من النافذة وفوجئت بشاطئ رملي طويل شبه مستقيم، وقلت وقد استبد بي القلق: «خطفونا»، إلا أن وجه المضيفة الباسم بدد قلقي وأدركت أننا نطير فوق فلسطينالمحتلة (إسرائيل)، وهذا من «أفضال» النظام السوري علينا، فقد قدّر أننا بشوق إلى الوطن فارتكب ما جعل الطيران الدولي يحذر دخول الأجواء السورية. قبل شهر، كنت في طائرة من بيروت إلى الخليج، واتجهت الطائرة جنوباً حتى مصر، وعبرت البحر الأحمر وفيافي المملكة العربية السعودية حتى وصلنا إلى دبي. وكان خط الرحلة «إنجازاً» آخر يُحسب للنظام السوري، الذي لا يقدّره سوى حزب الله. آخ يا سيد كم تغيّرت عليّ منذ 2006. كنت في الأردن للمشاركة في مؤتمر الشرق الأوسط للمنتدى الاقتصادي العالمي على البحر الميت، كعادتي كل سنة. ونزلت في مبنى جميل جديد في مطار عمّان يتميز عن كل مطار آخر بركن يبيع الفلافل وآخر يبيع الشاورما، وقلت لموظفة الاستقبال في فندق «موفنبيك» إنني لا أريد غرفة تطل على البَحْرة» (البحر الميت لغير الأردنيين)، وإنما على أرض الأردن، فصحراؤه أجمل من رؤية الأرض المحتلة. قالت لي إنها تعمل في الفندق منذ سنوات، وهذه أول مرة لا يريد نزيل أن يرى البحر الميت. أريد أن أراه... محرراً. المؤتمر هذه السنة كان شعاره «تعزيز أسباب النمو والصمود»، والكلمة الأخيرة بمعنى الاستمرارية ومقاومة الصدمات. والملك عبدالله الثاني في كلمة الافتتاح وقف أكثر خطابه على الاقتصاد الأردني والإقليمي، وتحدث عن الحاجة إلى إيجاد ملايين الوظائف الجديدة، ووعد بالعمل دائماً لبناء مستقبل أفضل لبلاده مع المحافظة على الأمن والاستقرار. الملكة رانيا الدائمة البسمة، دخلت القاعة، التي امتلأت على سعتها، مع ولي العهد الأمير الحسين، وسلمت على الضيوف في الصف الأول، وكنت أجلس وراء الصديقين عمرو موسى وإبراهيم دبدوب، ووعدت بأن أحمي ظهريهما، فأكدا أنهما لا يحتاجان إلى حمايتي. الرئيس الفلسطيني محمود عباس تبع الملك بإلقاء كلمة في جلسة الافتتاح ودعا الحاضرين إلى زيارة فلسطين، وإنشاء شركات استثمارية مشتركة مع رجال أعمال محليين. هو شكا من تعثر عملية السلام، وكيف أن إسرائيل تراوغ وتماطل وتتهرب من استحقاقات السلام. وقال إنه يريد من المصالحة الفلسطينية أن تشكل حكومة انتقالية تجري انتخابات برلمانية ورئاسية. تعانقت وأبو مازن وهو خارج ولم أجد ما أقول له سوى «ربنا يعينك». تبعت افتتاح المؤتمر جلسة عنوانها شعار المؤتمر، ضمت رئيس وزراء الأردن الأخ عبدالله النسور وأخانا إبراهيم دبدوب مع آخرين. وبما أن معرفتي بالاقتصاد محدودة، فلا أقول سوى أنني فهمت من الحديث وأرقام رئيس الوزراء، أن الوضع صعب، إلا أنه واعد أيضاً. كانت هناك جلسة عن السياسة الخارجية الأميركية، ولم أحضرها، لأن الموضوع كله يُختصر في كلمة واحدة: فاشلة. وحاولت أن أحضر جلسة عن «الإسلام السياسي ورشادة الحكم»، إلا أن أول متحدث كان مستشاراً للرئيس المصري قال ما معناه أن النظام الجديد يفتح مصانع أغلقت، ولم أستطع التحمّل فانسحبت. أفضل من ذلك جلسة عن السياسة الخارجية في المنطقة شارك فيها الأخ نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية، والأخ عمرو موسى، الأمين العام السابق، وجلسة عن مستقبل سورية، مفيدة بقدر ما أن التفاصيل مؤلمة. بين الجلسات، سرني أن أرى الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، وزيرة التنمية والتعاون الدولي في الإمارات العربية المتحدة، ومن آل المصري منيب وصبيح والباشا طاهر. أخونا منيب يحمل القضية الفلسطينية على كتفيه منذ عرفته، وسمعت منه أفكاراً جديدة تستحق أن أراجعها في زاوية خاصة قريباً. أما صبيح، فهو رجل أعمال ناجح بكل المقاييس، إلا أن أفضل ما في عمله أنه استطاع أن يجمع في استثماراته بين الربحية والوطنية، فكل مشاريعه لها خلفية وطنية، وآخرها استثمار هائل في العقبة بمئات ملايين الدولارات يقترب من نهايته. وسألت أخانا طاهر عن أوضاع سياسية واقتصادية، وسمعت منه معلومات أثق بصدقها. السياسة العربية تخلو من إيجابيات هذه الأيام، ولكن وجدت جيلاً جديداً من الشبان والشابات يجمع بين القدرة العالية والالتزام الوطني، وأنا واثق من أنه سيحقق ما عجزت أجيال سابقة عنه. لا يمكن أن يأتي جيل أسوأ من الأجيال الثلاثة السابقة. [email protected]