قد يكون الاهتمام بالثورة السورية والتعاطف معها، مدنياً وأهلياً وإعلامياً في فرنسا، في أدنى مستوياتهما هذه الأيام، ولكن لقطات المصور الصحافي الفرنسي لوران فان دير ستوك (Laurent Van der Stockt) تحاول أن تعيد شيئاً من الاهتمام بها وأن تعيد إلى الحقيقة ألقها المفقود. حين تكون الحقيقة في الشرق والمتلقي في الغرب، تلعب الكاميرا دور جسر بين شرق الحقيقة وغرب المتلقي، عبر أدوات وثقافة بصرية، تختلط فيها المشاعر بالحواس، ويصبح للحقيقة عين ثالثة تقرع باب القلب، فتنتج معرفة ترصد الواقع بطريقة مميزة وحساسة. صور تنقل المتلقي إلى سورية حيث يلتقط فان دير ستوك تفاصيل حياة السوريين والسوريات، عبر مشاهد قاسية تدور برفقة الموت والاستبداد، حيث يُقضى على أي هامش للتفاهم والحب والسلام. استثمر الفنان الضوئي فان دير ستوك، أحد أشهر المصورين الذين غطوا الثورة في سورية، جدران كاتدرائية مدينة بايوو (Bayeux) الفرنسية، ليعرض صوره الموجعة بحجم كبير يدلّ على الكارثة الإنسانية التي تحصل على أرض الواقع. وذلك بالتزامن مع الدورة ال 21 ل «جائزة مراسلي الحرب» التي تنظم في المدينة منذ أكثر من عقدين. «إنه الصراع الأعنف والأكثر موتاً بين كل الصراعات والحروب التي غطّيتها خلال 20 سنة. وهو أمر غريب ومؤسف، أن هذه الجرائم لا تحرّك أو لا تزيد من سخط وغضب الرأي العام»، يقول فان دير ستوك الذي يريد أن ينقل حجم الكارثة الإنسانية في سورية عبر صوره التي يعرضها في الكاتدرائية تحت عنوان «200000 سوري»، وهو عدد الشهداء التقريبي الذين سقطوا حتى الآن في المعارك التي لا تزال مستمرة. هي «صور لأشخاص مدنيين مثلنا وليست مشاهد على جبهات القتال، أردت إبرازها لأبيّن أن هؤلاء الأموات أناس مثلنا ووجوههم تكسر سريالية عدد القتلى والشهداء الهائل الذي جاء في العنوان»، كما يشرح. التقط فان دير ستوك صوراً معبرة وموجعة لوجوه سوريين يحملون جثث موتاهم بعد القصف والتفجيرات في هجمات جيش النظام على المدنيين العزل. مسنّون يبكون أمام قسوة القدر التي لا ترحم، ورجال يحملون جثث أطفالهم، وأطفال يبحثون عن ألعابهم بين الأنقاض، وفي الكادر بيوت قديمة وأخرى حديثة، لم يميّز التدمير بينها... وجوه ارتسمت عليها كل أحزان الدنيا وهمومها، وخطت خطاها بثبات نحو هدفها. صور تفضح الموت السوري، كما تفضح الرأي العام العالمي الذي يسكت عن تلك الجرائم الجماعية. صور تؤكد الفرق بين فنان يبحث عن الحقيقة وآخر يبحث عن الخبر، ما يمنح القضية السورية شرف تصويرها بعين مدركة لعدالتها.