لن تمر رحلة العقيد معمر القذافي الى الاممالمتحدة في الشهر المقبل لالقاء خطاب بمناسبة انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة من دون مشاكل كما كان يتمنى. فقد استعد القذافي لهذه الزيارة بكل ما تملك ديبلوماسيته من وسائل، خصوصاً أنها الزيارة الاولى التي يطأ فيها الارض الاميركية، رغم انقضاء اربعين عاما على حكمه. وكان يمكن لرحلة العقيد أن تنجح، خصوصاً في ظل حال الاسترخاء التي نشأت في الاعوام الماضية بينه وبين العواصمالغربية، لولا ردود الفعل التي رافقت استقبال عبد الباسط المقرحي في ليبيا، بعدما اطلقته السلطات الاسكتلندية «لاسباب انسانية»، بسبب معاناته من مرض السرطان في مراحله الاخيرة. اذ اعتبرت لندن وواشنطن أن الطريقة التي تم بها استقبال المقرحي، «اهانة» لذكرى ضحايا طائرة «بان اميركان» التي اسقطت فوق بلدة لوكربي وقتل فيها 270 شخصاً، وكان المقرحي الشخص الوحيد الذي دين بالمسؤولية عن اسقاطها. وستكون خيمة القذافي التي يحملها معه عادة حيثما حل أولى «ضحايا» استقبال المقرحي الذي شارك فيه نجله سيف الاسلام. فبعدما مُنع الزعيم الليبي من نصب خيمته امام المبنى الزجاجي الشهير للمنظمة الدولية في مانهاتن، جرى الحديث عن ضاحية انغلوود في نيوجرسي التي تبعد حوالي 20 كلم الى الشمال من مانهاتن، وتقع بالتالي في نطاق الاربعين كلم التي يفترض ضمنها للسلطات الاميركية أن تسهل حركة تنقل ضيوف الاممالمتحدة. غير ان مشكلة برزت وهي ان 38 من ضحايا لوكربي كانوا يعيشون في ولاية نيوجرسي، ما دفع حاكم الولاية جون كورزين الى الاعتراض على خيمة القذافي على ارض ولايته. وكان يمكن لتداعيات الافراج عن المقرحي ان تمر بسلام من دون الضجة التي رافقتها لولا ان الحكومة الليبية تصرفت حيال الحدث بكثير من سوء تقدير لمشاعر اهالي الضحايا. وهكذا فان «صفقة» لوكربي التي كلفت الحكومة الليبية بليونين و700 مليون دولار دفعتها كتعويضات لأسر الضحايا، بهدف اسكاتهم وتسهيل دخول ليبيا الى الاسواق الغربية، لم تستطع ان تجعل هذه الاسر تتساهل مع الاستقبال الحافل لرجل ينظرون اليه على انه المسؤول عن قتل ذويهم. وحتى لو أفترض ان اطلاق المقرحي كان مخططاً له للافادة منه لمناسبة احتفالات «الفاتح من سبتمبر» نهار الثلثاء المقبل، فقد كانت الحسابات سيئة، اذ عادت قضية لوكربي لتطغى على هذه المناسبة. وجاء اعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على لسان مصدر في قصر الاليزيه امس انه لن يذهب الى ليبيا للمشاركة في الاحتفالات وسيرسل ممثلاً عنه لم يتحدد مستواه، صفعة اخرى لأربعين العقيد في السلطة. وتأمل ليبيا أن تعوض عن غياب ساركوزي مشاركة طائرتين فرنسيتين مقاتلتين من طراز «رافال» في العرض العسكري الى جانب 80 طائرة من دول اخرى. كما ستحلق في الاجواء الليبية طائرة «ميراج -1» تم اصلاحها في اطار عقد تم توقيعه بين فرنسا وليبيا لاصلاح 12 طائرة من هذا النوع. قد يكون استقبال سيف الاسلام القذافي للمقرحي وتصريحاته عن صفقة مع اسكتلندا للافراج عنه وراء المتاعب الليبية الاخيرة، لكن سيف الاسلام ليس المصدر الوحيد لمشاكل العقيد. فمنذ الصيف الماضي تعاني ليبيا من ازمة في علاقاتها مع سويسرا أدت الى قطع العلاقات بين البلدين، بسبب توقيف هنيبعل القذافي وزوجته بعد اقدامهما على ضرب اثنين من خدمهما في احد فنادق جنيف. غير ان الليبيين نجحوا، عشية «الفاتح»، في التوصل الى اتفاق مع الحكومة السويسرية انتهى بمصادقة الحكومة الليبية على اتفاق مع الرئيس السويسري يطلق بموجبه هنيبعل وزوجته في مقابل اطلاق رجلي اعمال سويسريين كانا محتجزين في ليبيا منذ تموز (يوليو) من العام الماضي. وتلقى الرئيس السويسري وعداً ان يتمكن الرجلان من مغادرة ليبيا قبل الاول من ايلول (سبتمبر).