في 6 و7 ايلول (سبتمبر) 2014، أقامت كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، مؤتمرها الخامس عشر بعنوان «الجغرافيا وآفاق التنمية في الوطن العربي» في وقت يشهد العالم العربي المعاصر - منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي وحتى اليوم - أحداثاً عالمية مذهلة متسارعة أحدثت تحولات جذرية وعميقة في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي، أسفرت عن نتائج وتطورات هامة، وضعت العالم وشعوبه المختلفة عشية القرن الحادي والعشرين أمام متطلبات وتحديات جديدة، وجعلتها تبحث عن سبل مختلفة تمكّنها من تلبية احتياجات العصر ومواجهة تحدياته. الأمر الذي انعكس على المشاركات في هذا المؤتمر حيث ناقشت فيه كوكبة من العلماء من مصر والسعودية والسودان والجزائر وليبيا والأردن وتونس والعراق الكثير من القضايا ذات البُعد الجغرافي. افتتح المؤتمر الأستاذ الدكتور ممدوح تهامي رئيس المؤتمر ووكيل الكلية لشؤون البيئة، تناول في كلمته تاريخ المؤتمر والرؤية المستقبلية لآفاق التنمية مرتكزاً على محيط تاريخنا العربي وجغرافيته. ثم تحدث الدكتور محمد شرف رئيس قسم الجغرافيا شاكراً الحضور من الدول العربية في هذه التظاهرة العلمية، وشكر إدارة كلية الآداب دعمها لهذا المؤتمر، وهذا الحدث السنوي المتجدد؛ ثم اختتم الدكتور أشرف فراج عميد كلية الآداب بالحديث عن أهمية هذا المؤتمر لخدمة التنمية البشرية في الوطن العربي، مثنياً على جهود شيخ الجغرافيين العرب الدكتور فتحي أبو عيانة رئيس جامعة بيروت السابق، وذلك لجهوده في خدمة الجغرافيين في كل أنحاء العالم العربي وأنه نذر حياته لكلية الآداب - جامعة الإسكندرية. يهدف هذا المؤتمر عبر محاوره المتكاملة والأبحاث العلمية المتكاملة التي نوقشت الى ابراز مظاهر الضعف والقوة والفرص المتاحة والتهديدات التي تعترض التنمية بمجالاتها المختلفة في الوطن العربي الكبير. وتحديد الدور البحثي والمجتمعي لأقسام الجغرافيا في كليات الآداب، بتخصصاتها المختلفة في موضوع هام ومشترك يرتبط باستثمار موارد الوطن العربي المتعددة من أجل الارتقاء بحياة الانسان في حاضره ومستقبله. ومن دون التطرق إلى الجدل المثار حالياً حول حجم التحديات الاقتصادية التي تواجه الدول العربية، يمكن القول ومن دون مغالاة إن التحديات الاقتصادية أصبحت إحدى حقائق الواقع اليومي في الأقطار العربية في الوقت الراهن، ومن أخطر المشاكل التي تؤرق بال كل مهتم بالشأن العربي، فلا تكاد تخلو وسيلة من وسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي من طرح لهذا الموضوع، لا يخلو أي خطاب سياسي أو منتدى فكري من التصدي لها. وليس من قبيل المبالغة القول إن مواجهة هذه التحديات أصبحت المقياس الحقيقي لنجاح الإصلاح الاقتصادي في الدول العربية. لذا حاول المؤتمر من خلال محاوره مناقشة الكثير من القضايا لعل اهمها: القيمة الفعلية لعلم الجغرافيا، والضوابط الطبيعية للتنمية في الوطن العربي، والتنمية البشرية ومستوياتها، التنمية الاقتصادية ومحدداتها، نحو تكامل اقتصادي عربي. وخصص المؤتمر محوراً متكاملاً عن الحدود السياسية العربية بين الوصل والفصل، وآفاق مستقبل التنمية في الوطن العربي، وأخيراً آفاق التنمية في ضوء التغيرات المناخية ومشكلات البيئة. ناقش المؤتمر الكثير من الأوراق البحثية الهامة، منها ورقة الدكتور عبدالعظيم أحمد عبدالعظيم، أستاذ الجغرافيا البشرية في جامعة دمنهور بعنوان «التخطيط اللغوي لتأصيل الهوية العبرية في فلسطين، دراسة في جغرافية اللغات»، وفيها أن المجتمعات والدول تلجأ إلى التخطيط اللغوي لحل مشكلة خاصة في منطقة جغرافية تسودها لغةٌ ما؛ مثلما حدث في منافسة العبرية للعربية في فلسطينالمحتلة. فبعدما اختفت هذه اللغة لقرون عدة، نجحت الجهود الصهيونية التي بذلت لإحياء اللغة العبرية، بعدما كانت لغة ميتة أو شبه ميتة، قاصرة على المعابد والدراسات الدينية. لم تركز الحركة الصهيونية كل جهودها على النشاط السياسي والاستيطاني والعسكري لمشروعها الاستعماري الكبير، بل أولت جزءاً كبيراً من جهودها للجانب الفكري والروحي، وتتمثل أهمية الدراسة في إبراز الجهد الذي يبذله اليهود في إحياء العبرية، وأثره في طمس الطوبوغرافية التاريخية للمكان. فمن المعروف تاريخياً أن مئات اللغات قد اندثرت، ومئات أخرى في سبيلها إلى الاندثار الآن، ولكن من النادر أن تحيا لغة بعد موتها. ويرد الاهتمام الصهيوني الكبير بإحياء اللغة العبرية إلى أنها تمثل - في نظرهم - إحدى قيم الماضي التي يجب المحافظة عليها. لهذا دعا جلّهم إلى أن تكون هذه اللغة، دون غيرها، لغة الإحياء «القومي» المنشود، وظهر في صفوفهم عدد كبير ممن كرّسوا جهودهم لإحيائها ونشرها بين جماهير اليهود. وأُلفت لهذا الغرض الكتب المدرسية والمعاجم المختلفة ووضعت المصطلحات العلمية اللازمة، وظهرت الصحف والمجلات باللغة العبرية للمرة الأولى، كما بذل اللغويون جهودهم لتطويع هذه اللغة للتعبير عن المعاني والأفكار الحديثة، حتى تكون صالحة للاستعمال كلغة للحياة العامة والحديث اليومي العادي والنشاط العلمي وغير ذلك. وفي 1949، تأسست اللجنة الحكومية لعلم أنساب الأسماء، لتكون مخوّلة رسمياً وضع منهج خالص لتعميم اللغة الوطنية في خريطة الدولة الجديدة، وتم توزيع قوائم الأسماء العبرية الجديدة على وحدات الجيش، وُوضعت العلامات على الطرق ومداخل الوحدات السكنية، والمستوطنات الجديدة، والالتزام بها في مقررات وزارة التربية والتعليم، لتأخذ على عاتقها مهمة اقتلاع الأسماء الأجنبية وتجذير الأسماء العبرية، كما شمل الإلزام السلطات الإقليمية والحكومية، ووزارة الأشغال العامة، والمؤسسات التعليمية والشركات العاملة في مشاريع التنمية سواء كانت إسرائيلية أو أجنبية، إضافة إلى راديو إسرائيل. وتتضمن عملية الإحياء اللغوي آليات متعددة، منها: العوامل السياسية والعسكرية، والاقتصادية والاجتماعية، والعوامل الدينية، والديموغرافية، والثقافية. وقد أصبحت العبرية اللغة الرسمية للدولة الصهيونية بعد إنشائها عام 1948، وعلى رغم دراسة اللغة العبرية خارج إسرائيل؛ فإنها تحاول نشرها ولو نظرياً بتدريس الأدب العبري في بعض الكليات في العالم، ومثال ذلك ان الولاياتالمتحدة الأميركية تضم 350 جامعة فيها أقسام للدراسات العبرية واليهودية. وتحدث الدكتور فايز محمد مشبب آل سليمان العسيري، عن «التباينات المكانية للإمكانات التنموية في منطقة عسير، في المملكة العربية السعودية»، وهي من الموضوعات التي حظيت باهتمام كثير من الباحثين والمخططين. وتحدث الدكتور محمد إبراهيم شرف والدكتور مناور خلف المطيري عن «التحليل المكاني لأخطار السيول في حوض وادي حنيفة في مدينة الرياض»، حيث تمثل ظاهرة السيول في حوض وادي حنيفة وبخاصة في جزئه الذي يمر بمدينة الرياض وما ينجم عنها من أخطار، مشكلة بيئية بارزة تتسبب في تدمير المساكن والمنشآت والطرق وتعرّض حياة سكان الرياض للخطر. وتناول الدكتور محمد إبراهيم رمضان أحمد والدكتورة ماجدة خلف المطيري موضوع «التحليل المكاني لمراكز الدفاع المدني في مدينة الدمام باستخدام نظم المعلومات الجغرافية»، وركزت الدراسة على قطاع واحد من قطاع الخدمات العام، ألا وهو الخدمات الأمنية والذي يُعد من القطاعات الخدمية المهمة لاستقرار المجتمع وحماية مقدرات الوطن، كما أن توافر الأمن والاستقرار للمجتمع يُعد الركيزة الرئيسة للتنمية. وأثار الدكتور محمد عبدالحميد أمين موضوع «سد النهضة على النيل الأزرق في أثيوبيا وأثره في العلاقات الدولية»، وهو من الموضوعات الهامة حيث باتت قضية المياه واحدة من أهم وأخطر القضايا التي تواجه مصر في الوقت الراهن وتعد المياه عاملاً حيوياً في سياسة دول حوض النيل، وبخاصة مصر التي تعتمد كلية على مياه النيل، وتضع دائماً عملية تأمين واستمرار تدفق مياه النهر في بؤرة اهتماماتها السياسية. وأعلنت أثيوبيا في 2011، عن مشروع بناء سد على النيل الأزرق، يحمل اسم مشروع سد النهضة أو الألفية، لتوليد الطاقة الكهرمائية (بقدرة 5.250 ميغاوات) على النيل الأزرق في منطقة بني شنقول جوموز على بعد نحو 20-40 كيلومتراً من حدود أثيوبيا مع السودان، بتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار. وحول تأثير السد في مصر، يشير البحث إلى أن هناك عنصرين رئيسين يتمثلان في السعة التخزينية للسد، وفي استهلاك المياه في الزراعات المروية، فكلما زادت السعة التخزينية وزادت المساحة المروية زادت الآثار السلبية. السعة التخزينية للسدود ستكون خصماً من مخزون المياه أمام السد العالي الذي يستخدم لسد العجز المائي لإيراد النهر في السنوات التي يقل فيها الإيراد عن قيمته المتوسطة، وبالتالي ستظهر بعد إنشاء هذا السد ظاهرة الجفاف والعجز المائي في سنوات الفيضان المنخفضة كما كان الوضع قبل بناء السد العالي. أما المياه التي ستُستخدم للري فستكون خصماً مباشراً من حصتي مصر والسودان السنوية. والعنصر الثانوي الذي قد يؤثر أيضاً في إيراد النهر ولكن بدرجة أقل كثيراً يتمثل في السياسة التشغيلية للسدود. ومن هنا تكمن أهمية دراسة الآثار المترتبة على إنشاء سد النهضة وكيف يمكن تعظيم مياه النيل ودراسة الإطار القانوني، ومصادر القواعد القانونية الدولية والنظريات التي تحكم تنظيم استعمالات المياه العذبة والاتفاقيات الدولية في إطار حوض النيل بهدف الوقوف على موقف دول الحوض من هذه الاتفاقيات وأوضاعها السياسية واحتياجاتها المائية المستقبلية. وتحدث الدكتور محمد فؤاد عبدالعزيز سليمان عن «الأبعاد الهيدروجيومورفولوجية للتنمية في حوض وادي بيشة في المملكة العربية السعودية باستخدام نظم المعلومات الجغرافية». وتهدف هذه الدراسة إلى إبراز العلاقة التفاعلية بين الهيدروجيومورفولوجية والتنمية في حوض وادي بيشة سواء أكانت عامل جذب أم طرد. وأفرد الدكتور يوسف صلاح ابو مايلة بحثه عن «أزمة المياه الشرب في قطاع غزة»، حيث تُعد المياه العذبة من المصادر الطبيعية المهددة بخطر الاستنزاف عالمياً وفي فلسطين بخاصة. البحث يتناول في شكل اساس تحليل الأزمة، ثم التركيز على تنمية مصادر المياه وتطويرها في القطاع لتغطية احتياجات السكان. عقد المؤتمر في قاعة المؤتمرات الكبرى في كلية الآداب، وحضره لفيف من الأساتذة والمهتمين والمتخصصين والطلاب والمهتمين بالشأن الجغرافي والثقافي العربي. * جامعة الاسكندرية