كان لافتاً في الخطاب الأخير للأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله والذي خصصه للتعليق على مستجدات الوضع السوري وما أُثير عن تدخل حزبه هناك، دعوته ما سماه «فصائل المقاومة» في فلسطين للتنبه من عدوان إسرائيلي جديد. وإذا كان المقصود بفصائل المقاومة حركة حماس والتنظيمات التي تدور بفلكها، فإن تناقضاً كبيراً يبرز في كلام نصر الله. ذاك أن المقاومة في فلسطين المدعوة وفق الخطاب لرد عدون إسرائيلي مباغت تعد من أبرز المناصرين لثورة الشعب السوري فيما «حزب الله» يقاتل في القصير ومنطقة السيدة زينب دفاعاً عن نظام بشار الأسد. هذا التناقص ليس أمراً عارضاً في فهم تركيبة حركات المقاومة التي شغلت تفكيرنا السياسي لعقود مضت. فإسرائيل في خطاب «حزب الله» حليفة للمعارضة السورية وأي محاولة لإسقاط نظام دمشق يخدم بالدرجة الأولى «الكيان المُغتصب». لكن حركة حماس التي تتولى التصدي لإسرائيل على جبهة غزة تدعم هذه المعارضة بشكل علني، حتى أن بعض التقارير تتحدث عن عناصر من الحركة تقاتل إلى جانب «الجيش الحر» في جنوبدمشق. وبصرف النظر عن التحولات السياسية الإقليمية والدولية التي صنعت هذه المعادلة المتهافتة والركيكة، فإن ما قاله نصر الله في خطابه منذ أيام يكشف عن افتراق مقاومتين طالما ورطتا المنطقة بحروب عبثية، والافتراق هنا ليس مرده الثورة السورية وإنما وجهة النظر نحو إسرائيل التي كشفتها هذه الثورة. «حزب الله» ينظر إلى إحتمال سقوط النظام السوري كإضعاف لمحور الممانعة والذي يشكل دعامته اللوجستية لمواجهة إسرائيل. فيما حركة حماس لا تبالي بسقوط «قلعة العروبة» بعد أن باتت في محور آخر يقف في موقع الخصومة لها. ولعل هذا التناقض ليس اختلافاً بالنظرة الاستراتيجية حيال إسرائيل عبر التعامل مع المسألة السورية بقدر ما هو نتيجة للسرديات التي انتجها كل من الحزب والحركة المقاومان عن «العدو الغاصب» للأرض العربية. الأولى كانت امتداداً لحركة التحرر الفلسطينية بلون إسلامي سني، يتخذ من تنظيم الإخوان المسلمين له مثالاً. فيما الثانية امتداد لحركة المقاومة اللبنانية أيضاً بلون إسلامي شيعي يستمد نموذجه من ولاية الفقيه الإيرانية. من البديهي أن البنى التي كوّنت الحركتين حكمتا سرديتهما بالنسبة لإسرائيل، وذلك في ظل خطاب عمومي يتكئ على الرطانة القومية العروبية للتعبير عن نفسه. «حماس» وجدت في إسرائيل عدواً يحتل أرض فلسطين التي تعتبرها وقفاً إسلامياً سنياً فيما «حزب الله» رآها كياناً غاصباً للأراضي الواقعة في جنوب لبنان ذات الغالبية الشيعية. هذه النظرة تبدت بشكل واضح في البناء الإيديولوجي لمقاتلي الحركتين عبر تبريرات دينية تستند على تعاليم أكبر مذهبين متفارقين في الإسلام. هكذا وراء الكلام المفخم عن الطريق إلى القدس كان البعد المذهبي يرصّف الطريق. العدو بالنسبة للحركة السنّية كان غيره عند الحزب الشيعي. بدأ السيد نصر الله خطابه الأخير بنفي قاطع للاتهامات الإسرائيلية حول قيام حزبه بإرسال طيارة من دون طيار إلى أجواء «العدو» ليتحدث بعدها عن حساسية مفرطة تحكم مسألة حماية المقامات الدينية في سورية لا سيما مقام السيدة زينب في دمشق. محذراً من أن جماعات جهادية تريد هدمه كما حصل لمقامات مشابهة في العراق. إسرائيل إذاً في العقل الباطن للممانعة الشيعية ليست الغاصب للأرض العربية فقط، بل هي كل من يريد إسقاط نظام الأسد (الأقرب مذهبياً) وتدمير المقامات الدينية. أما عند «حماس» فهي كل من يخاصم مشروع الإسلام السياسي السنّي الذي يحكم قبضته تدريجياً على مفاصل الحكم في بلدان ما بعد الربيع العربي. لقد عادت المقاومات إلى وظائفها الأصلية التي وجدت لأجلها، حركات دينية راديكالية تتوسل محاربة إسرائيل لتنفيذ أجندات المرجعيات التي أنشأتها. وقد تكون لحظة الثورة السورية هي لحظة انكشاف هذه الوظائف التي من المحتمل أن تتصادم في ظل الصراع السني الشيعي القائم على تخوم بعض الثورات العربية. من يضمن ان لا نسمع أخباراً من دمشق عن معارك بين مقاتلي «حزب الله» وآخرين من حركة حماس على إحدى جبهات الصراع السوري. الحركتان المقاومتان تُمثلان تصدعاتنا الأهلية التي درجنا على تسميتها إسرائيل.