قدّر اقتصاديون ومتخصصون في قطاع المقاولات والنقل، نسبة العمالة المخالفة التي تعمل لدى جهات ليست على كفالتها بنحو 40 في المئة من إجمالي العمالة الموجودة في المملكة، مشيرين إلى أن غالبية تلك العمالة «أمية»، ما قد يطيل مدة تصحيح أوضاع تلك العمالة والخلل في سوق العمل، إلى ما يراوح بين عامين وثلاثة أعوام. وطالب هؤلاء في حديثهم إلى «الحياة»، بإيقاف إصدار التأشيرات مدة عام واحد حتى تنخفض العمالة الوافدة بنسبة 20 في المئة، وإعطاء الفرصة للقطاع الخاص لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة، ودرس أي قرار قبل إصداره، وأن يتم التنفيذ على مراحل تحفظ حقوق جميع الأطراف. وقال عضو مجلس الشورى سابقاً رئيس دار الدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالعزيز الداغستاني، إن ما بين 30 إلى 40 في المئة من العمالة المخالفة الموجودة في المملكة تعمل لدى جهات ليست على كفالتها، وهذه النسبة تراكمت عبر أعوام عدة، ساعد على ذلك عدم تطبيق العقوبات بحق المخالفين. وطالب بأن يكون تصحيح أوضاع تلك الفئة على مراحل، خصوصاً أن تطبيق الأنظمة في شكل مفاجئ يتسبب في ضرر كبير لكثير من الأطراف، في ظل وجود بعض الممارسات التي مضى عليها أعوام من دون رقابة أو تطبيق الأنظمة عليها. ولفت الداغستاني إلى سوء تنظيم سوق العمل وأن آلية الرقابة عليها غير مطبقة وغير واضحة، متوقعاً أن يستغرق تصحيح أوضاع سوق العمل والعمالة المخالفة ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام. من جهته، قال الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين: «إن قطاع الإنشاءات والصيانة هو أكثر القطاعات التي تتوافر فيها العمالة المخالفة والمخالفة، إذ يعدّ أكثر القطاعات التي تضم عمالة مخالفة لأنظمة الإقامة والعمل، وغالبية العمال المخالفين يعملون في هذا القطاع بأجر يومي، وفي بعض الأحيان بأجر مقطوع، كما أن جزءاً من تلك العمالة منتشر في الأسواق ويعرض خدماته أمام المحال المتخصصة في بيع مواد الإنشاء أو في التجمعات العمالية المعروفة في المدن». ورجح أن تصل نسبة العمالة المخالفة والمخالفة ما يراوح بين 25 إلى 30 في المئة من إجمالي العمالة الموجودة، وغالبيتهم من الأميين الذين يمارسون أعمالاً هامشية وليست أساسية، وبعضهم تعلم المهنة في السوق السعودية التي أصبحت أكبر معهد تدريب مفتوح في العالم. وعن الجهات التي تتحمل مسؤولية وجود العمالة المخالفة، قال البوعينين: «هناك أربع جهات تسببت في وجود هذه العمالة، الأولى وزارة العمل التي أغرقت السوق بالتأشيرات، ومن الطبيعي أن ينتج عنها هذا الكم الهائل من العمالة، والوزارة هي المسؤولة عن إصدار التأشيرات، ولو أوقفتها لعام واحد لانخفضت العمالة بنسبة 20 في المئة كنتيجة مباشرة لعدم تعويض الفاقد منها». وحذر من أنه إذا لم تتوقف وزارة العمل عن إصدار التأشيرات ولو موقتاً فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه. وأشار إلى أن الجهة الثانية المسؤولة عن هذا الوضع هي وزارة التجارة والصناعة التي لم تبذل جهداً في وقف التستر ومحاربته، ما ساعد العمالة الأجنبية على ممارسة أنشطة تجارية واستقدام أقربائهم بنظام الكفالة، وشراء التأشيرات وتشغيل تلك العمالة في أنشطتهم التجارية. وزاد: «أما الجهة الثالثة فهي وزارة الداخلية التي لم تركز كثيراً على مخالفي أنظمة الإقامة، وعلى رأسهم متخلفو الحج والعمرة، لأسباب إنسانية، وهذا ساعد على جرأتهم وتكاثرهم في شكل لافت، وأكثر من ذلك تزاوجهم وإنجاب أطفال لا يحملون أوراقاً ثبوتية، وهذا يفاقم مشكلة البدون مستقبلاً». وأشار البوعينين إلى أن الجهة الرابعة تتمثل في المواطن، الذي أسهم في تكدس العمالة بسبب استقدام عمالة لا يملك نشاطاً لتشغيلها، بل يطلقها في السوق ويتقاضى منها راتباً شهرياً، مشيراً إلى أن بعض المشاريع الصناعية الضخمة أسهمت بتشغيل هؤلاء وبأجور مرتفعة، وما زالت تعمل حتى اليوم عن طريق الاستئجار غير النظامي من مافيا تشغيل العمالة في الداخل. وعن مهلة الثلاثة أشهر لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة، اعتبر البوعينين أنها كافية جداً لتصحيح أوضاع الجادين، مشيراً إلى أن المصرين على المخالفة لن يعدلوا أوضاعهم ولو كانت المهلة عاماً أو عامين. وجدد مطالبته لوزارة العمل بوقف إصدار التأشيرات لعام على الأقل كفترة انتقالية وتصحيحية، باستثناء التأشيرات التخصصية التي لا يمكن توفيرها من الداخل، والعمل على تلبية طلبات التأشيرات من العمالة المنتشرة في الداخل، وبهذه الطريقة نضمن تصحيح الوضع، ووقف التدفقات العمالية لفترة إمهال يمكن من خلالها خفض حجم العمالة، ما يساعد في القضاء على البطالة. أما رئيس اللجنة الوطنية للمقاولين فهد الحمادي، فطالب الجهات المختصة بإعطاء القطاع الخاص مهلة أطول لتصحيح الوضع، خصوصاً أن الكثير من الشركات لديها ارتباطات كثيرة ومعتمدة على تلك العمالة. ولفت إلى أن ما بين 30 إلى 40 في المئة من العاملين في قطاع المقاولات هم من العمالة المخالفة التي تعمل عند غير كفيلها، نظراً لوجود مشاريع كبرى ومتوسطة تعتمد على العمالة المخالفة. وشدد الحمادي على أن طفرة المشاريع أسهمت في وجود تلك الفئة، مشيراً إلى أن تطبيق الأنظمة واجب وطني، ولكن الأمر يحتاج إلى وقت، وأن يكون التطبيق على مراحل.