من غير المستنكر أن يتقدم أحدهم إلى المحكمة بصحيفة الدعوى مرفقاً بها وثيقة الصلح، ليكون الصلح بداية مشوار التقاضي وعنت الخصومة. الصلح هو النهاية السعيدة لمسلسل الخصومة، والخاتمة الحسنة لكل نزاع، وهو عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة بالتراضي، وهدفه حسم نزاع قائم أو توقي نزاع محتمل، وسبيله تنازل كل طرف عن جانب مما يدّعي أنه من حقوقه. الصلح كله خير، والصلح السيئ خير من الخصومة الجيدة، لكن من اتفاقات المصالحة ما لا يصح أن يطلق عليه صلحاً، فما وُضع فيه من أسباب الشقاق أكثر مما نزع منها. من النباهة عند توثيق عقد الصلح فحص صفة الموقعين في العقد، والنص على صلاحية المتعاقد إذا كان وكيلاً أو ولياً أو وصياً، وعدم التسامح في هذه الجزئية ومن ذلك عدم قبول مصالحات الآباء عن أبنائهم، والإخوة عن بعضهم ما لم يكونوا مفوضين صراحةً بذلك. كما أن موضوع الصلح قد يكون محلاً للإشكال والنزاع حينما لا يحرر تكييفه، وهل هو إبراء وإسقاط أم على عوض، إذ يستلزم في الحالة الأخيرة مراعاة أحكام العقد الأكثر شبهاً به من حيث صحته والآثار التي تترتب عليه. صياغة عقد الصلح - في رأيي- من أدق صياغات العقود، والواجب على من يقوم بها التعبير عن الصلح بالعبارات الظاهرة التي لا تحتمل أكثر من معنى، فليس المقصود بالصلح الوصول إلى العبارات التوافقية كما يفعل البعض، بل الوصول إلى ما يود الأطراف تنفيذه عن رضا. منطقية الصلح وعدالته وخلّوه من الإجحاف أدعى لتنفيذه وتطبيقه، وهو الثمرة المقصودة منه، وعقد الصلح المبني على استغلال ضعف أحد طرفيه، أو لإظهار نفوذ طرف على آخر، ينم عن ضعف مهني وأخلاقي في الوقت ذاته. إذا كان التقاضي أمام المحاكم هو الكيّ الذي هو آخر علاج للنزاعات التعاقدية، فليكن علاجاً لنزعات عقود المعاوضة التي الأصل فيها المشاحة، لا لعقود المصالحة المبنية على المسامحة. * القاضي بديوان المظالم سابقاً. [email protected]