يتخلص «الغذاء» في رمضان هذا العام من كثير من المنغصات التي أصابته في المواسم الماضية، والتي تنوعت بين أنفلونزا الطيور، وتسمم الإبل، وجنون البقر، وتلوث البحر، حيث جميع اللحوم بأشكالها الأحمر والأبيض، والبري والبحري مواتية للأكل. إلا أن ارتفاع أسعار الأغنام، والأسماك يلقي بظلاله على المشترين، حيث تجاوز سعر الغنم 1200 ريال، بينما تتراوح أسعار الهامور بين 30 إلى 60 ريال للكيلوغرام، فضلا عن الارتفاع الموسمي الحاصل في الأسعار، والذي حاولت وزارة التجارة التخفيف منه بإعادة السماح باستيراد الأغنام والأبقار والإبل من السودان والأردن قبل رمضان. ويتذكر السعوديون الحصار الغذائي خلال رمضان الماضي، حصار فرضته وقائع وشائعات، حتى أصبحت الخيارات الغذائية أمامهم محدودة فبينما كانت الأمراض تحاصر ما يأكلونه من الحيوانات والطيور بدءا بأنفلونزا الطيور التي جعلت الكثير حينها يمتنعون عن تناول أي طائر وفضلوا الاتجاه نحو بدائل أخرى من اللحوم. إلا أن ذلك لم يدم طويلا فما هي إلا أيام حتى نشرت مواقع الكترونية وصحف، خبر اصطدام غواصة نووية أميركية بناقلة نفط يابانية في مياه الخليج، وأن تسربا نوويا قد حدث في مياه الخليج، وعلى رغم نفي جهات رسمية وأهلية لحدوث التسرب، إلا أن ذلك لم يمنع تقلص الخيارات الغذائية من اللحوم، واستبعاد كل ما هو بحري من القائمة، لتبقى اللحوم الحمراء الخيار الوحيد بين اللحوم. بيد أن هذا الخيار لم يصمد طويلاً، فسرعان ما انهار بعد ظهور الحمى القلاعية، وورود تقارير عن دخولها للمملكة، ثم جاءت حادثة نفوق الإبل لتكون ثالث الأثافي، وتلغي خيار اللحوم بأكمله، خصوصاً بعد تحذير وزارة الصحة من تناول لحوم الإبل. وفيما كان السعوديون في خضم المعركة الضروس مع اللحوم، لم تكن الخيارات الغذائية الأخرى سواءً النباتية أو المصنعة، بمنأى عن المعركة، لتفتح جبهة أخرى بعد معلومات عن مخللات مسرطنة وشائعة الشمام المحقون بالإيدز، والتي سارعت جهات حكومية لنفيها، والتأكيد على استحالة حدوثها طبياً ومنطقياً، إلا أن مبدأ الحذر الذي يفضل البعض التعامل وفقه، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالصحة، كان أقوى من أي نفي وتطمين يمكن أن تحدثه البيانات، بل أن الحذر وصل بالبعض إلى التخوف من بقية الخضروات والفواكه، والتي لم تكن آخر ما في قائمة الموت التي ما زالت حبلى بالمفاجآت. فالشوكولاته الملوثة بالسلامونيا، والتي أعلن عن سحب نحو مليون قطعة منها في بريطانيا، لن تكون آخرها، فقضية الطحينية المسرطنة تطل برأسها معلنة شطب خيار جديد من الخيارات الضئيلة المتبقية، وتهز ثقة المستهلكين في الغذاء المصنع، وبعد شد وجذب وتأكيد ونفي ماتت القضية بإتلاف أعداد بسيطة جمعت من مصانع ومحال تجارية في الرياض، ثم جاءت المكسرات المسرطنة التي أعلن أخيراً، عن وجودها في الأسواق السعودية بكميات كبيرة. وعلى رغم أن النخالة التي تسببت في نفوق الإبل، والتي تنتج من الدقيق، دفعت البعض إلى التفكير في الامتناع عن كل ما للدقيق دخل في صناعته، وكانت آخر ما في القائمة، إلا أن كثيرين يتوقعون وجود أخطار في ما تبقى من الأغذية لم تكتشف إلى الآن، أو على اقل تقدير فهم ينتظرون الإعلان قريبا عن غذاء مسموم جديد. وما قامت به وزارة التجارة، والبلديات قبل بداية شهر رمضان، من حملات تفتيش، وضبط أطنان من المواد الفاسدة، أو منتهية الصلاحية، أراح النفوس قليلا من تناول مواد غير صالحة للاستهلاك الآدمي في هذا الشهر المبارك، كما أنه حمل تحذيرا للمتلاعبين من التجار. والأمر الذي يبعث على التفاؤل هو إزدياد وعي الصائمين بضرورة الإهتمام بالغذاء، والتأكد من صلاحيته والتخير من أفضله، لأن المستهلك هو الحصن الأقوى في معادلة مكافحة الغذاء الفاسد.