في مناطق نفوذ "حزب الله" في شرق لبنان، لم يعد قتال الحزب الى جانب قوات النظام السوري في الارض السورية المجاورة سراً محظوراً. فاللبنانيون المؤيدون للحزب "القوي" فخورون بانجازات مقاتليهم، الذين يدافعون عن الارض والمقامات الدينية الخاصة بالشيعة، وفق ما يقولون. في مدينة بعلبك ذات الغالبية الشيعية تبكي عائلة حسين حبيب، القائد الميداني في "حزب الله"، ابنها الذي قتل في ريف القصير في سورية، في معارك مع المجموعات المعارضة المسلحة منذ حوالى اسبوعين، وتنتظر تسلم جثته لدفنه. الزوجة وافراد العائلة القريبون يرفضون التحدث الى الصحافيين، وتبدو عليهم علامات التأثر الشديد. وتقول فاطمة حبيب (30 سنة)، ابنة عم حسين "نتعذب بسبب عدم تسلم جثته التي لا تزال مع المسلحين"، معتبرة ان حبيب من مواليد قرية في ريف القصير ومن سكان بعلبك، "ذهب ليدافع عن اهله وبيته". وتضيف "فقدنا عزيزاً والوضع صعب لكن اذا احتاج الامر شخصاً آخر من العائلة، لا مشكلة في ان يذهب ويستشهد". وحسين حبيب متزوج وله ولدان. وهو معروف بأنه من كبار مقاتلي "حزب الله"، لكن العائلة تؤكد انه كان يقاتل في اطار لجان الحماية الشعبية الموالية للنظام السوري. على بعد كيلومترات من بعلبك، عند مدخل بلدة القصر في منطقة الهرمل التي تعرضت اخيراً لقصف من مواقع مقاتلي المعارضة السورية في الجانب الآخر من الحدود، ترتفع صور الرئيس السوري بشار الاسد. ويقول احد سكان البلدة ابو فادي كنعان مستعيداً العبارة التي يطلقها النظام السوري على مقاتلي المعارضة "الارهابيون اضطهدوا آلاف اللبنانيين الموجودين في قرى سورية حدودية مع لبنان، فطلب هؤلاء من المقاومة (حزب الله) معونة للدفاع عن ارضهم وعرضهم". ويضيف وهو يراقب بمنظار من على سطح منزله المطل على منطقة القصير دخاناً اسود يتصاعد نتيجة غارة من طائرة حربية "نحن نحمي منازلنا في هذه القرى، نعم نحن نرسل اولادنا للدفاع عنها، ومستعدون لخوض المعركة". رواية ابو فادي وعائلة حبيب هي الرواية الرسمية لحزب الله التي كان اول من اعلنها الامين العام للحزب حسن نصرالله في تشرين الاول/اكتوبر الماضي. وقال نصرالله في حينه ان "بعض المنتمين الى حزبه من اللبنانيين المقيمين في قرى سورية ذات غالبية شيعية على الحدود اشتروا السلاح واتخذوا قرار الدفاع عن انفسهم واعراضهم واملاكهم في مواجهة مجموعات مسلحة اعتدت عليهم وهاجمتهم"، مشيراً الى ان "لا علاقة للحزب بقرارهم". لكن عشرات الجثامين التي تنقل من سوريا لتدفن في لبنان في مناطق تعتبر معاقل لحزب الله في الجنوب والبقاع (شرق)، تؤكد ان "مقاتلي الحزب ليسوا من سكان القرى الشيعية السورية فحسب". قبل المأتم، ينعي حزب الله عادة "الشهيد الذي قضى اثناء تاديته واجبه الجهادي"، من دون تفاصيل اضافية. لكن "السر" لم يعد سراً. ويقول سكان بقاعيون وجنوبيون لوكالة "فرانس برس" رافضين الكشف عن اسمائهم ان عدداً كبيراً من عناصر "حزب الله" المدربين يذهبون الى سورية وهم "من المتفرغين لدى الحزب"، يختفون فجأة لاسابيع او اشهر، ثم يعودون او لا يعودون. ويؤكدون ان "هؤلاء يقاتلون في منطقتي القصير ومقام السيدة زينب الشيعي قرب دمشق". ويقدر الاستاذ الجامعي وواضع كتاب "دولة حزب الله" وضاح شرارة عدد عناصر الحزب الذين يقاتلون في القصير بما بين 800 الى 1200. ولا يكترث ابو فادي للانتقادات التي يتعرض لها الحزب حول تغيير وجهة سلاحه من "مقاومة" اسرائيل الى الدفاع عن النظام السوري. ويقول "العين على اسرائيل وهؤلاء (المعارضون السوريون) صهاينة ايضاً. لنا الحق بالدفاع عن اللبنانيين اينما كانوا، وخصوصا اذا كانوا شيعة. هذه تصفية لنا". الا ان مقاتلي المعارضة السورية لا يستسيغون ما يسمونه "تدخل حزب الله في الشؤون السورية الداخلية". وقد تبنوا قصف مناطق في الهرمل ردا على هذا التدخل ما تسبب بمقتل شخصين. على مدخل مدينة الهرمل التي تبعد نحو 15 كيلومترا عن الحدود السورية، يقف علي شمص (54 عاما) على سطح مبنى من ثلاث طبقات قيد الانشاء، حاملا بيده شظايا صاروخ اخترق المبنى الذي ينوي الانتقال للاقامة فيه مع عائلته، واحدث اضرارا بالغة. ويطالب شمص الدولة اللبنانية بحماية المنطقة، و"اذا لم تقم بواجبها، المقاومة والناس جاهزون للدفاع عن انفسهم". ويحذر خبراء من جر لبنان، البلد الصغير ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة، الى اتون الحرب السورية، بسبب تورط "حزب الله" العسكري في النزاع الذي رد عليه بعض رجال الدين السنة المتطرفين بدعوة اللبنانيين الى الجهاد ضد النظام السوري. على الطريق المؤدي الى بعلبك، ترتفع صور "الشهيد" حسين حبيب ولافتات كتب عليها "نعزي صاحب الزمان باستشهاد القائد الميداني حسين حبيب"، او "تحية الى القائد البطل حسين حبيب". لكن نجل حبيب البالغ من العمر سبع سنوات يفتقد الاب لا "البطل". رداً على سؤال من والدته التي تساله ان كان فخوراً بوالده "الشهيد"، يجيب ببساطة "كنت افضل الا يموت، كنت افضل ان يكون هنا معي".