يتولى الفقر مهمة تشويه الإنسان من الداخل، قد لا ينجح كلياً، حتماً لا يخسر معاركه، إحدى نتائجه الدائمة هو «حقد طبقي ضد الأثرياء»، وهي ظاهرة تكاد تكون مسيطرة على الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى المُتآكلة! يتعرض للحقد الطبقي تجاه الأثرياء - بصفه أكبر - قرابة 36 ألف بيت تجاري في الخليج، يسيطرون على أكثر من 92 في المئة من ثروات الخليج، ويعيشون بين عشرات الملايين من الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة، وهذا - وإن كان سلوكاً عالمياً وقد يتكرر في بلدان عربية عدة - أحد منغصات الحياة اليومية، حتى وإن كابر الثري وقال «الرازق في السماء والحاسد في الأرض»، لأن «الجنة من غير ناس ما تنداس»، ثم إن الحقد والحسد صفتان لنار واحدة يحترق بها الثري والفقير معاً! كان الفقر بمعناه النقدي «الكاش» صفة شاملة تتوزع على الخريطة كافة عدا بيوتاً محددة أقل من عدد الأصابع، كانت من الثراء بمكانة عالية تؤهلها لإقراض الدولة، ثم مع أمواج عاتية للطفرة المالية السعودية الأولى كمثال مع بدايات عهد الملك خالد تغيرت تضاريس الثراء، واستقبلت قائمة الأثرياء أسماءً جديدة، بعضها متماسك حتى الآن، وقليل منها اندثر بسبب اختلاف بين الورثة، أو لأن «وجه الفقر يستحي من الغناة»، كما يقول المثل! نعود إلى شيوع ثقافة الحقد الطبقي أخيراً، ولعل تقوقع البيوت الثرية عن انخراط حقيقي في مشاريع «المسؤولية الاجتماعية»، خصوصاً في قرى وبلدات ينتمون لها «كقبيلةٍ أو نشأةٍ»، أسهم كثيراً في وضعهم تحت مسمى «ما فيهم خير»، وهو نعت يصيب كل ثري بخيل! يتصدر أسباب الحقد الطبقي تجاه الأثرياء الجدد القادمين من ثلاثية الطفرة الحديثة «الصفقات أولاً، والأسهم ثانياً، والعقار ثالثاً» مبني على اعتقاد العامة بأنهم مجرد «وجوه» وأقنعة لممارسي فساد إداري واستغلال للسلطة، مع «تناتيف رشوة»، يتعاظم هذا الحقد تجاه أسماء تجارية كانت جذورها تسكن «العشش والصفيح»، وفروعها باتت تمتلك بيوتاً في كل عاصمة! ارتكب بعض هؤلاء الأثرياء الجدد حماقة البحث عن ترقية مكانة أسرته اعتماداً على قوة «الكاش»، أو ما يتم تصنيفهم تحت مسمى «شيوخ المال»، هؤلاء تحديداً ينسكب عليهم الحقد كأمطار خط الأمازون، ويعيشون حالاً تشبه المقتني مقعد درجة أولى عندما تحط طائرة الثراء تتساوى الرؤوس قبل الأقدام! يمتد الحقد الطبقي تجاه الأثرياء الجدد من تعرضهم لزخم عالٍ من نفاق اجتماعي يحاصرهم أينما ذهبوا، إلى تملق بغيض، حتى بات آحادهم يشعر بخذلان، لأن الدنيا لم تُبقِ له صديقاً صادقاً، بينما الألسن «تلوط» وتجرح حياتهم الأسرية بما في ذلك وصف أبنائهم بالفساد، ثم إذا تزوج الكهل الثري بفتاة أصغر منه أصابها شرر من النار ذاتها! يخرج الأثرياء من الحقد الطبقي إذا أرادوا حينما يكتشفون نتائج إيجابية لتنفيذ مشاريع «المسؤولية الاجتماعية»، تحديداً في أبناء قومهم، لأن «وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً/ على المرء من وقع الحسام المهند»، فليس هناك مرارة على الثري من حقد أبناء عمومته، ذلك الحقد المنحدر إلى درجة الحسد! يصعب غسل الحقد الطبقي ضد الأثرياء من دون مبادرات فردية أو جماعية تكون ذات تأثير واضح بما في ذلك توسيع دائرة التوظيف للكوادر الوطنية، وتأسيس مراكز دراسات تسهم في تفتيت مسببات الفقر ومساعدة الحكومات على بناء استراتيجيات وتشريعات كفيلة بمنع اتساع دائرة الفقر وأحقادها! [email protected] @jeddah9000