تحولت حلقة برنامج الثامنة على قناة «إم بي سي»، والتي استضافت أربعة من فناني ال «ستاند آب كوميدي» السعوديين إلى مسرحية ستاند كوميدي، بخاصة بعد أن نسي الزميل العزيز داود الشريان نفسه وصفّ معهم في الخط نفسه، وصار يرمي معهم اللذعات الساخرة حول واقع مؤسسات الفن في السعودية، وانتهت الحلقة بتسجيل هدف في شباك جمعية الثقافة والفنون حين منحها الشباب في آخر الحلقة لقب «جمعية الثقافة والفول». ونحن هنا لا نحاكم زميلنا العزيز سلطان البازعي الذي تسلّم رئاستها حديثاً، فبناؤها ضارب في عطالته وبطالته منذ نصف قرن، لكننا سنلومه إن طابت له الرئاسة واستمر نشاطها في بيع الفول. شباب ال «ستاند آب كوميدي» بدأوا منذ أعوام وبفعل عامل الغريزة وحب الحياة والشغف الذي يشتهر به الشباب، فعرفوا كيف يشقون لهم طريقاً ساعدتهم فيه قناة «يوتيوب» ووسائل التواصل الاجتماعي مع إجادة بعضهم للغة الإنكليزية. بدأوا عروضهم في الفعاليات الترفيهية التي تقيمها الجاليات الأجنبية، ثم وجدوا من بينهم جمهوراً عربياً فقدموا له وصلات بالعربية أيضاً. لا توجد مشكلة أمام شباب مؤمن بالحياة ولديه الشغف، وعن طريق قناة «يوتيوب» وبرامجهم المسجلة وصلوا إلى الناس في بيوتهم فأحبهم الشباب، وتمتعوا بمشاهدة وصلت إلى مليون متابع، وأصبحوا ينافسون الوعاظ، ولكن بدم خفيف طبعاً، ويبشرون بالحياة والمرح والنقد الساخر لما حولهم. سألهم الزميل داود الشريان من أي الجهات يريدون دعماً؟ فقال أحدهم: لا نريد دعماً، نريدهم أن يرفعوا عنا القيود فقط، فتقديم فقرة «ستاند آب كوميدي» حالها حال كل فعالية ثقافية تحتاج إلى مراجعة إمارة المنطقة والحصول على إذن. حصار الفعاليات الثقافية مهما صغرت مثل نشر رواية أو إقامة أمسية أو مسرحية أو حتى وصلة «ستاند آب كوميدي» تحتاج إلى إذن من وزارة أو إمارة وهو طلب يضيع في دهاليز البيروقراطية القاتلة للإبداع والعمل، ولهذا يلجأ الفنانون إلى الظهور والبروز خارج محيطهم وناسهم، تماماً كما حدث يوم أمس، إذ فازت السعودية بخمس جوائز في مهرجان الخليج السينمائي في دبي، وفازت ثلاثة أفلام سينمائية سعودية بجوائز، وحين وجّه الكاتب والصحافي رجا ساير المطيري من حسابه على «تويتر» طلباً لرئيس جمعية الثقافة والفنون بأن توفر لهذه الأفلام فرصة عرض من خلال جمعية الثقافة والفنون، اعتذر رئيس الجمعية وقال: «هذا فوق طاقة الجمعية». كما أن الجمعية احتفلت منذ أيام باليوم العالمي للمسرح من دون مسرحية، بل بخطابات وحديث طويل عن أهميه المسرح، تماماً مثل من يقيم عُرساً بلا عريس، وها هي اليوم ترى أن عرض أفلام فائزة بجوائز عربية خارج مهماتها! إذا كانت الجمعية تريد أن تعرف المسؤولية الملقاة على عاتقها ومعها مؤسسات رعاية الشباب الأخرى، فعليها أن تقرأ أخبار الشباب التي تقول إن ألف مراهق يدخلون المستشفيات النفسية بسبب محاولة الانتحار أو بسبب نهجهم سلوكيات انتحارية، وأن الجهات الأمنية أحبطت خلال ستة أعوام تهريب ما يزيد على 362 مليون حبة كبتاغون، ولو علم الآباء أن ما يفر من عيون الأمن أكثر بكثير من هذه الكمية لفرّ النوم من أعينهم، وفي المقابل فإن وزارة الشؤون الإسلامية التي تنشط في إقامة 1.5 مليون محاضرة وعظة في العام لم تنجح هي الأخرى، لأن من الواضح أن ما ينقذ الشباب من الضياع ليس الوعظ، فإن لم يستثمر وقته في الفنون التي تهذب الشعور وتربط إحساسه بالعالم الإنساني، وتصقل وجدانه بالمحبة والمؤاخاة، وتحفزه على الإبداع والابتكار فإنه سيتجه إلى «الحبوب» التي تخدر عقله، ليست مهمتنا إرشاد الشباب إلى ما عليه فعله، فهو أذكى منا ويعرف طريقه ليكون أفضل، لكنه يفتش عن الحافز الذي يجعله يتحمّس، وليس هذا الحافز سوى البحث عن الهوية الفردية بالحضّ على الإبداع والابتكار والتفكير وهذا هو دور الفن. [email protected]