على رغم الأزمة السياسية المحتدمة في مصر، إلا أن العثرة الاقتصادية تبقى الأخطر على النظام الجديد في ظل تزايد المؤشرات السلبية المرتبطة أساساً بمعيشة المواطنين. وبعدما توقعت الموازنة المقترحة من الحكومة للعام المالي المقبل ارتفاع العجز إلى نحو 197.5 بليون جنيه (28.7 بليون دولار)، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل البطالة ارتفع خلال عام 2012 إلى 12.7 في المئة، بعدما كان وصل إلى 9 في المئة في عام 2010، عازياً تلك الزيادة الكبيرة إلى الظروف التي تشهدها مصر وما ترتب عليها من تباطؤ في الأنشطة الاقتصادية. وتُبرز هذه البيانات ضرورة الشروع في برنامج للإصلاح الاقتصادي يُجنب الحكومة الاعتماد على المعونات والقروض والودائع الأجنبية لتوفير موارد بعدما وصل احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي إلى «معدلات خطرة»، بحسب ما سبق أن أعلنه البنك. وتخوض الحكومة منذ شهور مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 4.8 بليون دولار، يتطلب اتخاذ خطوات لتخفيض عجز الموازنة العامة، لذا لجأت الحكومة إلى تبني خطة لإعادة هيكلة دعم الطاقة الذي يُكلف الدولة نحو 120 بليون جنيه. وعلى رغم أن الحكومة توقعت عجزاً يصل إلى 200 بليون جنيه في الموازنة الجديدة، إلا أن هذا العجز قد يتجاوز هذا الرقم في حال عدم الشروع في برنامج الإصلاح، إذ كانت توقعت عجزاً في الموازنة الحالية يبلغ 135 بليون جنيه لكنه اقترب من 190 بليوناً. وفي اختتام جولة أخيرة من مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد، أعلن الصندوق «تحقيق تقدم حول القرض» لكن من دون التوصل إلى اتفاق نهائي. والتقت بعثة الصندوق رئيس الوزراء هشام قنديل ومحافظ البنك المركزي هشام رامز ووزير المال المرسي حجازي ومسؤولين آخرين وقيادات سياسية من الموالاة والمعارضة. وقال بيان الصندوق إن «السلطات المصرية اتخذت بالفعل خطوات جادة نحو تحسين استهداف دعم الطاقة، وتنوي البناء على هذه الخطوات من خلال عدد من المبادرات يهدف إلى التصدي لعجز ميزان المدفوعات وعجز المالية العامة بأسلوب متوازن اجتماعياً مع تهيئة الظروف المؤاتية لتحقيق تعاف مستديم للاقتصاد»، مشيراً إلى أن البعثة «تشجعت بالمواقف والآراء البناءة المقدمة من ممثلي الأحزاب السياسية في شأن الإصلاحات الاقتصادية والدعم المرتقب من الصندوق، وأقر جميع الأطراف بضرورة حماية الفئات الفقيرة والتي قد تتضرر عند تطبيق إجراءات الإصلاح». لكن وزير التخطيط أشرف العربي الذي يضطلع بدور رئيس في المفاوضات مع صندوق النقد قال في لقاء تلفزيوني إن المفاوضات «صعبة»، لافتاً إلى أنها ستستكمل خلال اجتماعات الصندوق في واشنطن الأسبوع المقبل. وأقر بأن «الموقف الاقتصادي الحالي غير جيد على الإطلاق». وطالما ارتبطت إجراءات الإصلاح الاقتصادي الصعبة بالأوضاع السياسية، نتيجة لما يُتوقع أن تُخلفه من ارتفاع في الأسعار وزيادة الأعباء على الأسر الفقيرة، ما قد يُسبب تراجع شعبية النظام الذي سيخوض صراعاً مريراً مع المعارضة في انتخابات برلمانية يُتوقع إجراؤها قبل نهاية العام. وبعدما كانت الحكومة أعلنت بدء تنفيذ برنامج لإعادة هيكلة دعم الطاقة في نيسان (أبريل) الجاري يتم بمقتضاه توزيع حصص محدودة من البنزين المدعم وفقاً لتراتبية محددة بعدها يُباع البنزين بالأسعار الحرة، أرجأت هذا الأمر، ما عزاه خبراء إلى التخوف من مردوده السياسي في ظل توقعات برفع أسعار نقل الأفراد والبضائع ما قد يسبب احتجاجات. لكن مستشار وزير المال عضو اللجنة الاقتصادية في حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان المسلمين»، أحمد النجار نفى ل «الحياة» أي ارتباط بين الشروع في برنامج الإصلاح الاقتصادي والأوضاع السياسية. وقال إن «برنامج إعادة هيكلة دعم الطاقة مُعد ضمن برنامج إصلاح اقتصادي شامل، وربما يكون أُرجئ بسبب خطوات إجرائية أهمها إعداد البنية الأساسية وتجهيز عدادات محطات الوقود لاستخدام الكروت الذكية وضبط المستودعات، وكل هذه الأمور تعمل الحكومة على تجهيزها». وأوضح أن إعادة هيكلة دعم الطاقة لا تتوقف على البنزين فقط، بل هي برنامج يشمل كل مشتقات الطاقة من بنزين وسولار ومازوت وغاز مُسال، لافتاً إلى أن الهدف من إعادة هيكلة دعم الطاقة «ليس ترشيده، ولكن إيصال الدعم لمستحقيه واختيار أفضل السبل لوصول الدعم لمستحقيه». وعن التوقعات بأن تنفيذ هذا البرنامج قد يسبب احتجاجات إن ارتفعت الأسعار، قال النجار إن «الحكومة تُعيد هيكلة المنظومة عموماً لأن نسبة التسرب كبيرة جداً، والطبقة الحقيقية الأقل استفادة من دعم الطاقة هم الفقراء... وإعادة الهيكلة مطلوبة بغض النظر عما إذا كان سينتج منها وفر مادي أم لا». وأكد أن تجاوز مشكلة البطالة في حاجة إلى زيادة استثمارات، معتبراً أن الأزمات الاقتصادية بعد الثورات «شيء معتاد». وقال: «هناك إشكاليات سيتم تجاوزها على المستوى القصير الأجل، أما إصلاح اقتصاد الدولة فقد يستغرق سنوات». لكن قوى معارضة ترى أن القول بأن برنامج الإصلاح الاقتصادي لن ينعكس سلباً على الفقراء «يُجانبه الصواب». وقال المرشح الرئاسي السابق مدير «المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» خالد علي الذي قاضى الرئيس محمد مرسي من أجل وقف مفاوضات قرض صندوق النقد، إن «هذه الإجراءات لن يدفع ثمنها إلا الفقراء، في ظل غياب رقابة الدولة على المنتجين والمصنعين، وترك الشعب نهباً لرغبات المستثمرين». وأضاف ل «الحياة»: «هم يتحدثون عن زيادة أسعار الطاقة لمصانع تُنتج سلعاً استراتيجية، ثم يتركون المستثمرين يرفعون أسعار المنتجات بنسب أكبر من نسب زيادة أسعار الطاقة، والمواطن في النهاية هو من يتحمل الفاتورة مضاعفة، لذلك يرجئون تنفيذ هذه البرامج لما بعد الانتخابات لأنهم يعلمون آثارها السلبية على الفقراء».